تحول يوم 6 حزيران 2020 بالفعل الى “سبت أسود” جبّ كل ما قبله من أيام ظن البعض أنها بيضاء بوحدة وطنية مزعومة، قبل أن تظهر بشاعة الوجه اللبناني بشعوب متناحرة تعبد زعمائها وتعتنق طوائفها، وتعيش حالة حرب أهلية حقيقية لكن حتى الآن من دون إطلاق الرصاص الذي حاول البعض امس اللجوء اليه تصفية لحسابات مختلفة.
تآمرت شعوب لبنان على ثورة 17 تشرين الأول، فأمعنت في قتلها على مدار الأشهر الماضية، وكان “السبت الأسود” موعد دفنها من دون عزاء أو أخذ بخاطر من بنى عليها الآمال بسبب الظروف الصحية التي تفرضها كورونا التي إستخدمت أيضا في عملية القتل.
بالأمس تجسدت الفيدرالية اللبنانية على أرض الواقع، فكانت ساحة الشهداء ومحيطها مرتعا لمجموعات سياسية ـ طائفية متناحرة لا تشبه بعضها البعض، تعاني من أزمة إقتصادية ـ مالية واحدة، لكن لكل منها تفكيرها وإرتباطها وأجندتها ونظرتها، ما أدى الى “تشلّع” المطالب والشعارات التي تناقضت بتناقض توجهات المحتشدين الذي جاء كل منهم ليغني على ليلاه، ويرضي حزبه وزعيمه وطائفته..
شعارات بالجملة رفعت في “السبت الأسود”، من الانتخابات النيابية المبكرة، الى إسقاط رئيس الجمهورية ميشال عون، الى إستقالة حكومة حسان دياب، الى مواجهة الغلاء والدولار، الى إسقاط حكم المصرف، الى المطالبة بنزع سلاح حزب الله وتطبيق القرار 1559 الذي جيء به من “الثلاجة” لتسخين الأرض وتقسيم الثوار وتغذية الفتنة الطائفية والمذهبية بما يجعل ثورة تشرين تلفظ أنفاسها الأخيرة.
نجح أعداء الثورة في إعدامها، وفي إستدراج الثوار الى حيث مقتلهم بانقسامهم على بعضهم في قضية لا تُبحث على طاولتهم إنما لها طاولاتها الاقليمية والدولية، وهي ليست أولوية أمام سلاح الدمار الاقتصادي الشامل الذي يهدد اللبنانيين بالبطالة والفقر والجوع، كما أنها طرحت في غير مكانها وزمانها، فاستنفرت عصبيات وشحنت نفوس وغرائز، واستهدفت مقدسات ورموز، وأعادت مفردات الحرب الأهلية المقيتة، وأحيت محاور سعى اللبنانيون جاهدين لتناسي مجازرها، وضربت السنة بالشيعة، والشيعة بالمسيحيين، وكادت الأمور أن تنزلق الى الدم لولا الجيش اللبناني الذي تلقى حجارة المندسين بصدره، وفصل بين المتناحرين في السياسة، وأكد أنه ما يزال المؤسسة الوطنية الوحيدة في بلد الطوائف والمذاهب والمناطق والشوارع والأحزاب والتيارات والزعامات والقيادات.
كثيرة هي التساؤلات التي طرحت أمس لجهة: هل الدولار يرتفع على السني والمسيحي دون الشيعي؟، وهل الغلاء يقلص مداخيل الشيعة ولا يصل الى المسيحيين أو السنة أو الدروز؟، وهل الاهمال والحرمان من قبل الحكومة التي تدعي الانجازات يطال فئة دون أخرى؟، وهل الكهرباء تصل حصرا لمذهب دون آخر؟، وهل المعاناة والمآسي تطال كل اللبنانيين أم أنها تفرق فيما بينهم؟.
يمكن القول، إن “السبت الأسود” كشف دجل الاصلاح، وقتل كل أمل في التغيير، وأظهر أن التحديات أكبر من أن تواجه، وأكد عجز الحكومة التي كانت غائبة عن السمع، ليتأرجح لبنان بين إستبداد أمراء الطوائف، وبين ضعف وعجز وفشل وفساد السلطة الحاكمة، وبين شعوب لبنانية لم تعتبر حتى اليوم من مآسي الحرب الأهلية والفلتان الأمني، ما يعيد وضع البلد على فوهة بركان قد ينفجر في أية لحظة..
رحم الله ثورة 17 تشرين..
مواضيع ذات صلة:
-
رئاسة الحكومة في مهب التنازلات.. وميقاتي يقرع جرس الانذار!… غسان ريفي
-
الكل في الشارع المسيحي.. مأزوم!… غسان ريفي
-
صراع سعد وبهاء يهدد الحريرية السياسية.. ويقدم خدمة للخصوم!!… غسان ريفي