يُجمع العلماء والباحثون أن الأوضاع العامة في المجتمعات لن تكون بعد كورونا، كما تعوّدنا عليها قبل كورونا. ذلك أن بروز هذه الأزمة، وانتشار الفيروس covid-19، عالمياً، شكّل انقلاباً على المفاهيم الحضارية، والمنظومة الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي جاءت بها العولمة. فأُغلقت الحدود بين الدول، وتوقفت حركة السفر وحرية الانتقال، وتم الاعتداء على مجمعات تجارية، وفُقدت بضاعات معينة من الأسواق، بسبب وقف جزء كبير من التبادلات التجارية، وبسبب عدم انتظام عمليات الاستيراد والتصدير…
ما مرّ به العالم، منذ ظهور هذا الفيروس وحتى الآن، غير معلوم أو مقروءٍ بشكل قاطع. ولم تستطع أكبر دول العالم مواجهته، أو معالجته، وذلك أضعف الإيمان، كما لم تستطع تطوير لقاحٍ فعّال للحؤول دون المزيد من انتشاره، حتى الآن. فهل ستكون هذه الدول مستعدة لمواجهة ما بعد هذه الأزمة؟!.
وقد تكلمنا في مقالة سابقة عن الأزمات الاقتصادية التي يعاني منها العالم الآن، وعن توقف كامل عن العمل لقطاعات كاملة، وإفلاسات كبيرة لمؤسسات اقتصادية، وعن زيادة كبيرة ومتسارعة في نسبة البطالة في معظم دول العالم، مما أدى إلى الفقر والجوع المتزايد. وسنتناول في هذه المقالة أهم الأزمات الاجتماعية الأخرى التي ظهرت أو ستظهر، مع استمرار الأزمة، وبعد تراجعها.
أولا: التفكك الأسري: كنتُ في كتابي “مدخل إلى فقه النعمة” قد تكلمتُ عن نعمة برّ الوالدين، واستشهدتُ بحديث الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام: “بِرّوا آباءكم، تبرّكم أبناؤكم”. وذكرتُ ما أصبح مألوفاً في المجتمعات الغربية، من انتشار مراكز “رعاية المسنين”، التي تهدف إلى تقديم الرعاية الصحية اللازمة للمسنين، وغيرها من الخدمات الطبية. وحذرتُ من ذلك، لما يسبّبه من تراجع اهتمام الأبناء المباشر بوالديهم، وأن ذلك سيؤدي إلى تفكك العلاقات الأسرية. وقد جاءت أزمة الكورونا، لتؤكد سرعة انتشار الفيروس في هذه المراكز ووفاة عددٍ كبيرٍ من نزلائها. كما حصل في دار للمسنين في أسبانيا، حيث توفي 50 شخصاً من أصل 65 مسناً يعيشون فيه. ومن أبلغ ما قاله أحدُهم للطبيبة التي تعمل في هذا المركز: “اذهبي إلى المنزل، فأنت شابّة. نحن هنا جئنا لنقضي آخر أيامنا ونموت”. وما يزيدُ في الطين بلّة، اعتماد بعض الدول ما يُعرف بـ”مناعة القطيع” في التصدّي للوباء. وهي سياسة تقضي بالسماح للناس بارتياد الأماكن العامة والتفاعل فيما بينهم، وتسمح بانتشار العدوى على نطاق معيّن، مفسحة المجال لالتقاط الفيروس، واكتساب المناعة الذاتية في مواجهته. ولكنّ هذا لا ينطبق على كبار السن وضعيفي المناعة، الذين تزداد خطورة إصاباتهم ونسبة الوفيّات بينهم، إذا لم تُطبّق سياسة التباعد الاجتماعي والحجر الصحي. كما أن سرعة انتشار الوباء، وضعف التجهيزات الطبية والاستشفائية جعلت الأولية للعناية بالمرضى الذين يحظوْن بفرصة أكبر للتعافي، وفي ذلك ظلمٌ كبير لكبار السن وضعيفي المناعة.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “البركة مع أكابركم” (ورد في السلسلة الصحيحة). وفي حديث آخر: “ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا!” (أخرجه الترمذي). وإذا كان كبار السن سيذهبون عمّا قريب أو بعيد، فبعد فترة من الزمن، سيكون كل واحد منا كبير السن فلينظر ما هو صانع، وما هو زارع !! ومن يزرع الريح يحصد العاصفة. ورحم الله القائل: “كبار السن هم البركة الخفية”.
ثانيا: مضاعفات الحجر الصحي: لا يخفى على أحد أن الحجر الصحي يسبب قلقاً إضافياً، ورعباً خفيّاً، عند بعض الأشخاص. حيث أصبحوا أكثر حرصاً على نظافتهم، وأشدّ اعتزالاً للآخرين، كأنهم كلهم موبؤون، مما يزيد في القلق والرعب عندهم، ويسبّب ضعفاً في مناعتهم، ويجعلهم أكثر عرضةً للإصابة، وأضعفَ مقاومةً للفيروس. أضف إلى ذلك عامل الإشاعة التي تسري – بفضل وسائل التواصل الاجتماعي – سريان النار في الهشيم، والتي تهدف إلى نشر ثقافة الموت القادم، وثقافة الوسوسة والخوف من كل شيء آتٍ. وكل ذلك يساعد في إرباك الذات والخروج بها عن جادّة الصواب. أما إيمان المسلم فهو عامل قوي في تماسك الذات، وهو يفرض عليه الأخذ بالأسباب، والتوكّل على الله بعد ذلك. ودليل ذلك قول الفاروق عمر بن الخطاب لأبي عبيدة بن الجراح، عندما خرج إلى الشام، وعَلِم في نهاية الطريق أن الوباء فيها منتشرٌ، وأراد أن يرجع، فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدرِ الله؟ فقال له عمر قولته المشهورة: “نعم نفرُّ من قدرِ الله إلى قدرِ الله”.
أمر آخر كان للحجر الصحي أثرٌ سلبي فيه، هو ضُعفُ العلاقات الزوجية في بعض الأسر، بسبب الوجود المتواصل للزوجين معاً، وزيادة الشجار بسبب تراجع الأحوال المعيشية في معظم العائلات، وخصوصاً عند الذين يعملون في أعمال صغيرة الحجم، وفي المهن والحرف التي تعتمد على مبدأ الأجر اليومي. وقد أدّى كل ذلك إلى زيادة نسبة الطلاق بين الزوجين. والطلاق في الإسلام هو “أبغض الحلال” عند الله لِما يترتب عليه من آثار اجتماعية سيئة، سواء في تربية وتنشئة الأولاد، أو في العلاقات الأسرية في المجتمع …
ثالثا: أزمة التعليم: تشكل المدارس والمعاهد والجامعات مراكز تجمّع كثيف في الصفوف والملاعب. لذلك كان القرار في معظم دول العالم بإغلاقها بشكل كامل. وفي مقالة على موقع البنك الدولي بعنوان: “التعليم في زمن فيروس كورونا: التحديات والفرص”، يقول الكاتب: “تسببت جائحة كورونا في انقطاع 1,6 مليار طفل وشاب عن التعليم في 161 بلداً، أي ما يقرب من 80% من الطلاب الملتحقين بالمدارس على مستوى العالم”. وقد غطّى “التعليم عن بُعد جزءاً من هذه المشكلة الكبيرة في البلدان الأكثر ثراءً”، و”إن اكتنف الأمرُ قدراً كبيراً من الجهد والتحديات التي تواجه المعلمين وأولياء الأمور”. وقد تفاوتت نتائجها التعليمية تبعاً لذلك. أما في الدول المتوسطة الدخل والفقيرة، فقد اختلفت الأمور كثيراً، وتفاوتَ نجاحُ التجربة بين طالب وطالب، وبين أستاذٍ وآخر، ومدرسةٍ وأخرى، وأهلٍ قادرين على متابعة أولادهم وآخرين غير ذلك. ناهيك عن وجود الإنترنت وقوته وضعفه، ووجود التجهيزات اللازمة لكل طالب في البيت… لذلك انعدم تكافؤ الفرص، وضعُفت إمكانية بروز المواهب، وتراجع اكتساب المهارات التطبيقية، بنسبٍ مختلفة.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله: “من تفقّه من بطون الكتب، ضيّع الأحكام”. وما ذلك إلّا لأن دور المعلم لا يقتصر على التعليم وحسب. فقد كان الناسُ في عصر الحضارة الإسلامية يُطلقون على “المعلم” لقب “المربي”. لأنه كان قدوةً لتلاميذه في العلم والأدب. ورحم اللهُ السلف الصالح، فقد كان الأدبُ عموماً عندهم مُقدّماً على العلم. يقول الإمام أنس بن مالك، رحمه الله: “كانت أمي تقول لي: إذهب إلى ربيعه فتعلّم من أدبه قبل علمه”. ويقول الإمام الشافعي رحمه الله: “تعلمتُ العلم في سنتين والأدب في ثمان عشرة سنة، ويا ليتها كانت العشرين في الأدب”. وكان ابن الجوزي – رحمه الله – يقول: “كاد الأدب يكون ثلثي العلم”.
ومن سلبيات التعلّم عن بُعد أن الحجر الصحي والبقاء في المنزل، قد زاد في النزعة الإنطوائية عند بعض الطلاب، أو زاد في بعض الممارسات العنفيّة التي حلّت محلّ العلاقات الاجتماعية التي كان الأولاد يتمتعون بها مع زملائهم في المدارس والجامعات. وهذا ما يشكل خطراً أكيداً في استمرارية التعلم عن بُعد لمدة طويلة، لأن الله تعالى خلق الإنسان اجتماعياً بطبعه، وكما يقول أهل الحكمة أنّ الإنسان سُمِّي “إنسانا”، لأنه “يأنسُ” بغيرِه.
يبقى أن أشير إلى أن التعلّم عن بُعد، هو وجهٌ بديلٌ للتعليم المباشر يتمّ اللجوء إليه لضرورة الحجر الصحي، أو تعذّر الوصول إلى المدرسة أو الجامعة. وبرأيي لا يجوز الاستغناء عنه بشكل كامل، حتى بعد الحجر، لأنه يساعد ويُمكّن المتعلّم من ممارسته حيث تدعو الحاجة. كما أنه يؤهّل المتعلم للجوء إلىه في ظروف العمل بعد الدراسة، في العديد من المجالات. وقد بدأ هذا النوع من العمل (العمل عن بُعد)، يأخذ مداه في بعض المؤسسات في دول الغرب قبل أزمة الكورونا، وسيقوى ويتطوّر بعد الكورونا.
رابعا: الأزمة الثقافية: من المتوقع أن تُعيد المجتمعاتُ النظر في نشاطاتها الثقافية وتقاليدها التي دَرَجَتْ عليها، كالمؤتمرات الفكرية والعلمية، والمخيمات الكشفية والمباريات الرياضية، والتجمعات الدينية والصلوات في المساجد والكنائس، وغيرها.. وستختفي عادات وتقاليد، وتولد أخرى، أكثر تحفظاً، وأكثر وقايةً من مخاطر الغير. فالمؤتمرات الفكرية والعلمية حلّ محلَّها اللقاءات عن بُعد، وتطوّرت البرامج المعلوماتية المخصصة لذلك تطوّراً سريعاً، مما ساهم في إبقاء التعاون العلمي والتلاقح الفكري قائميْن. والمباريات الرياضية الدولية، والتي كانت تشهد حضوراً جماهيرياً حاشداً، يمكن إقامتها، ولكن بدون حضور واسع، وبالتالي بدون مردودٍ ماليّ يُذكر على المنظّمين واللاعبين؟ والنشاطات الكشفية محدودة بالأعداد المسموح بها حتى تتجاوز مشكلة الاكتظاظ. أما الحفلات الموسيقية، فقد أصبحت تقام استعراضياً من شرفات المنازل أحياناً، وفي ساحات كبيرة، أحياناً أخرى، ويبقى جمهور المعجبين في سياراتهم !.
أما التجمعات الدينية كالحج والعمرة والصلوات في المساجد والكنائس، فيمكن – مع تراجع حدّة الوباء – تنظيمها من خلال تخفيض عدد المشاركين، وبالتالي سيُحرم البعض من روحانية المشاركة فيها.
أما الزيارات السياحية التي يهوى البعضُ القيامَ بها في المتاحف والقلاع والحصون، والتعرّف على تاريخها، وأسباب قيامها ومحتوياتها، فقد استُبدلت في زمن الكورونا، بالزيارات الافتراضية على شبكة الإنترنت، والتي تمنحُ الزائرَ، فرصة التجول فيها على الشاسة، ومعرفة ما يرغب عنها. وتكاليفُ ذلك – إن وُجدت – زهيدةٌ جدّاً. أما انعكاساتها على شركات الطيران، والفنادق والمحلات التجارية المجاورة والمطاعم ووسائط النقل فهي سلبية جداً.
يبقى أن أشير إلى أن عدداً كبيراً من المكتبات العالمية قد قدّمت مجموعاتٍ كبيرةً من الكتب القيّمة تجاوزت عشرات الآلاف نذكر منها مكتبة الإسكندرية، وشركة “أمازون” وجامعة نيويورك في أبو ظبي، ومنها من عرض ذلك مسموعاً على شبكة يوتيوب. كل ذلك في سبيل التشجيع على القراءة في فترة الحجر المنزلي، وللاستفادة ثقافياً من الوقت الضائع، فخير صديق في الأنام كتابُ، كما يقول الشاعر.
خامسا: الوضع البيئي: تميّزت فترة ما قبل كورونا، وعلى مدى نصف قرنٍ من الزمان، بفسادٍ بيئي متصاعد، لم تستطع مؤتمرات القمة الدولية المتواصلة منذ السبعينات من القرن الماضي، وضْعَ حدٍّ له. فالمعامل والمنشآت الصناعية في الدول المتقدمة تلقي ملايين الأصناف من الغازات الضارة في الجو، وتلقي كميات ضخمة من النفايات المؤذية في الأرض أو في مياه الأنهار والبحار. أما في الدول الفقيرة فيجري استنزافٌ متواصل للثروات الحرجية – وهي مصدر الأوكسجين – في القارة الأفريقية وفي أمريكا الجنوبية…. وكل ذلك دفع علماء البيئة لرفع الصوتِ عالياً في وجه القمم الدولية، منبهين ومحذّرين من سوء العاقبة، حتى أنهم – يائسين – أطلقوا على قمة العام 2002 “قمة الخيبة” قبل انعقادها. (موقع مجلة البيئة والتنمية). وقد أُصيبت بسبب كل ذلك، طبقة الأوزون بثقبٍ فيها، علماً أن هذه الطبقة تحيط بالكرة الأرضية، وتحفظ التوازن البيئي، الذي أوجده الله تعالى، حمايةً لمخلوقاته على سطح الأرض. وهذا الثقب كلما اتسع – بسبب الفساد البيئي – كلما زادت حالات الإصابة بسرطان الجلد وإعتام عدسة العين، وارتفعت حرارة الأرض، (وزادت الحرائق في الغابات)، وارتفع منسوب مستوى مياه البحار من جرّاء ذوبان الجليد في المناطق القطبية، (وزاد التسونامي)، وتغيّر نظام الرياح والأمطار والزراعة وغيرها. يقول تعالى: “ظهر الفسادُ في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” (الروم – 41).
وجاءت أزمة كورونا، مسبِّبةً وقفاً قسرياً لعددٍ كبير من المنشآت الصناعية ووسائط النقل وغيرها، وانخفاضاً غير مسبوقٍ في استهلاك النفط ومشتقاته، وبالتالي انخفاضاً في انبعاث مركبات الكربون الكلورية بشكل ملحوظ. وقد أعلنت وكالة كوبيرنيكس الأوروبية لمعلومات تغيّرِ المناخ في 24 نيسان عن انغلاق الثقب التاريخي الذي شهدته طبقة الأوزون في أعلى القارة القطبية الشمالية خلال شهري آذار ونيسان. (وكالة يورونيوز). يقول تعالى: “ونبلوكم بالشرِّ والخيرِ فتنة، وإلينا تُرجعون” (الأنبياء – 35). ويقول أيضاً في سورة الجن “وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرضِ أم أراد بهم ربهم رشداً” (الجن – 10).
سادسا: الوضع التربوي: كنتُ في مقالةٍ سابقة، بعنوان “عوامل بناء شخصية الإنسان” نُشرت في 13/11/2015 في مجلة مكارم الأخلاق الإسلامية عدد حزيران 2015، قد ذكرتُ ستة عوامل أساسية: هي عامل الوراثة، التربية الأسرية، المؤسسات التعليمية، البيئة المحيطة، الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي. وأكّدتُ فيها على العاملين الأساسيين: التربية الأسرية، والتربية في المؤسسات التعليمية، واللتان تراجع دورهما كثيراً بالمقارنة مع الماضي غير البعيد، بعد أن نزلت الأم إلى سوق العمل جنباً إلى جنبٍ مع الرجل، وفقدت معظم دورها الأساس كـ”مدرسة إذا أعددتها، أعددت شعباً طيب الأعراق” كما يقول حافظ إبراهيم. كما فقدت المؤسسات التعليمية معظم دورها السابق في التربية على القيم والآداب، وحصرته في التعليم، وإن كانت لا تزال تحتفظ باللفظين معاً (التربية والتعليم). أما العوامل الأخرى، فعامل الوراثة خارج نطاق التأثير لأنه مرتبط بالجينات. وأما البيئة المحيطة والإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي فهي مشرّعة الأبواب لكل أنواع التأثير على تكوين شخصية الأبناء، ومعظمها غير معنيّ بالتربية على القيم، وعلى زرع بذور السلوك المستقيم الذي يتمناه الأهل لأولادهم. وهي في مجملها تخاطب النفس والغريزة أكثر من مخاطبتها للعقل، لأنها تسعى لاكتساب أكبر جمهور ممكن.
ومع أزمة الكورونا، وما رافقها من حجرٍ منزلي وتعليم عن بُعد، تراجع دور المؤسسات التعليمية في التربية وبناء الشخصية. وأصبح الدور المطلوب من الأهل في تربية أولادهم أقوى وأهم، وهذا يتطلب إعداداً حديثاً يتزامن ويتناسق مع ظروف العصر، وما فيه من انفتاح معرفي واسع أصبح في متناول الصغير قبل الكبير. لذلك من الضروري جداً أن يشكل الوالدان قدوة حسنة في زرع العقيدة الإيمانية في نفوس أبنائهم، وأن يكونا قدوة لهم في أداء العبادات. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مروا أولادكم بالصلاة لسبع” والبدء بالتربية الدينية مبكراً أصبح ضرورياً أكثر من أي وقت مضى، لحماية الأطفال من عَبَثِ المواقع الإلكترونية الفاسدة التي تخاطب غريزتهم وطفولتهم وتسيء إلى تنشئتهم. كما على الأهل أن يمارسوا سياسة التدرج المطلوب في كل محاور التربية بما يتناسب مع أعمار أبنائهم ونمو قدراتهم، ومنها التربية على اجتناب المحرمات والموبقات، وعلى الحوار بالحسنى، والمناقشة المبنية على الثقة والمحبة، والبرهان والحجة. وكذلك اعتماد التوازن في مصادر المعرفة الثلاثة: الوحي والعقل والحسّ، والابتعاد عن الغلو والمبالغة في جميع الأمور، والاعتدال في السلوك، والتمسك بالعدالة، وأولها المساواة بين الأولاد. كل ذلك يتطلب إعداداً سليماً للأم للقيام بهذا الدور المطلوب بإلحاح، حتى لا ينقلب الشيء إلى ضده.
أختم بالقول، إنَّ الكورونا التي تجتاح العالم منذ 5 أشهر، ومهما كان مصدرها الفعلي، إنما هي ابتلاءٌ من الله تعالى، قد ينتهي ويصبح من الماضي، وقد يطول. وكل المؤشرات، حتى الآن، تدلّ على أنه أقوى من أي وباء مرّ على سطح الأرض، منذ مئة عام. ولا تزال الإصابات والوفيات تزداد بوتيرة مرتفعة. وواجبنا الشرعي يقضي بالتعاطي مع هذا الوباء، والأخذ بكل وسائل الحيطة والحذر، وبَذلِ أقصى الإمكانيات حتى لا تتعطل عجلة الاقتصاد، ولو بحدها الأدنى، وتقديم كل المساعدات للمرضى والمحتاجين، والعمل في جميع الميادين، كما أمرنا الله تعالى: “وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملكم ورسوله والمؤمنون، وستردّون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون” (التوبة ـ105)، ولتستمر الحياة، حتى “يقضي الله أمراً كان مفعولاً، ليهلِك من هَلَكَ عن بيِّنة ويحيى من حيّ عن بيِّنة..” (الأنفال – 42).