إحتجاجات التقنين تتجاوز الخطوط الحمر.. والأخطر قادم… عبد الكافي الصمد

حفلت الساعات الـ48 الماضية بتحرّكات إحتجاجية قام بها مواطنون رفضاً للتقنين القاسي للتيار الكهربائي الذي يعانونه، أعطت أكثر من إشارة خطيرة إلى أنّ التحرّكات السلمية التي كانت تحصل سابقاً لهذا السبب، أو غيره، قد طرأ عليها تغير لافت، وأنّ الإحتكام إلى العنف بات أفضل وسيلة لدى المحتجّين، بعدما وجدوا أنّ “الإعتراض الناعم” لن يجعل المسؤولين في الدولة يفتحون آذانهم والإستماع إلى شكواهم ومعاناتهم.

طرابلس ومناطق شمالية عدّة كانت مسرحاً لهذه التحرّكات الإحتجاجية، بدأت مع مشاهد إعتراضية معتادة من قبل المواطنين عند كل أزمة تقنين، من أبرزها قطع الطرقات، وهو ما شهدته مناطق باب التبانة والمنكوبين والبداوي، ومناطق مختلفة في عكّار، فضلاً عن وقفة إحتجاجية أمام معمل دير عمار لإنتاج الطاقة الكهربائية.

لكن الطقس اللاهب وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في مثل هذه الأيّام من السّنة، وتحوّل الحياة في المنازل إلى جحيم، وبعدما أصيب كثيرون بحالات اختناق في منازلهم الأمر الذي فاقم من معاناتهم، وهم الذين يعانون أصلاً من حجر منزلي بسبب فيروس كورونا، ومن شلل تام شمل معظم مرافق الحياة وتوقف الأعمال والمداخيل، وارتفاع منسوب الفقر والبطالة والجوع، بشكل ينذر بانفجار إجتماعي بالغ الخطورة، كل هذه العوامل شكّلت أسباباً دفعت كثيرين للخروج من منازلهم غضباً واستياءً، والتوجّه نحو معامل ومكاتب شركات الكهرباء، حيث قاموا باقتحامها بعد الإعتصام أمامهم، في خطوة تنذر بأنّه إذا لم تعالج مشكلة التقنين فإن أيّام الصيف المقبلة ستكون لاهبة جدّاً في الشّارع، وستتجاوز الخطوط الحمر.

المتحجّون الذين نفذوا وقفتين إحتجاجيتين أمام معمل دير عمار وأمام شركة الكهرباء في البحصاص، ومنعهم الجيش من الدخول إلى المعمل والشركة، إستطاعوا إقتحام محطة دير نبوح في الضنية بعدما خلعوا بوابتها الحديدية الرئيسية، وكسروا زجاج باب مدخلها الداخلي، كما اقتحموا مكاتب شركة قاديشا في الميناء، ومن المكانين هدّدوا بأنّه إذا لم يتوقف مسلسل التقنين القاسي الذي يعانونه، فإنّهم سيعاودون الكرّة، وبشكل أشدّ عنفاً في المرّات المقبلة.

كل ذلك، إضافة إلى المواقف السّياسية والإقتصادية والشعبية المحتجّة على التقنين القاسي و”غير العادل”، شكّل جرس إنذار بأنّ الأيّام المقبلة قد تشهد خروج الإحتجاجات عن المألوف، وأن لا يتوقف الأمر عند ما يشهده الشّارع حتى الآن، وأن تخرج الأمور عن السيطرة، وفي مناطق كثيرة، وأنّ ما يمكن معالجته اليوم قد يكون صعباً غداً، لأنّ المحتجّين لم يعد لديهم ما يخسرونه، وبعدما تسبّب الحراك الشّعبي الذي اندلع في 17 تشرين الأول الماضي في كسر الكثير من القيود والنمطية السياسية السائدة.

المواطنون الذين ما يزالون منذ 30 سنة، عندما انتهت الحرب الأهلية، يعانون أزمة تقنين التيار الكهربائي، برغم إنفاق أكثر من 40 مليار دولار على هذا القطاع، والوعود الكثيرة التي لم يتحقق منها شيئاً، لم تعد تنفع معهم أو تقنعهم أيّ مبرّرات، مثل أنّ البواخر المحمّلة بالفيول أويل تنتظر لتفريغ حمولتها تحويل المستحقات المالية للشركة المستوردة، كما حصل مؤخراً، بعدما باتت هذه الحجج مكرّرة وممجوجة، ودليلاً على فشل كل الحلول التي طرحت منذ 30 عاماً، وجعل أزمة الكهرباء أحجية ضاعت حلولها في دهاليز السياسة في لبنان، واستشراء الفساد بين أركان السلطة وأوساط الإدارة على حدّ سواء.


مواضيع ذات صلة:

  1. إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد

  2. إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد

  3. عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد


 

Post Author: SafirAlChamal