أسئلة كثيرة طرحت في الأوساط السّياسية بعد قرار السلطات الحكومية أمس إستحداث نقاط أمنية وعسكرية وجمركية على الحدود مع سورية، برّرتها بأنها تهدف الى تشديد الإجراءات وتتبع سير الشاحنات التي تنقل مادتيّ المحروقات والطحين خصوصا، إثر الكشف عن عمليات التهريب في الآونة الأخيرة من لبنان إلى سورية، والتي تُفاقم إستنزاف الخزينة اللبنانية، التي تدعم شراء واستيراد هاتين المادتين، من العملات الصعبة.
ومع أنّ الجهات الأمنية المعنية إعترفت مراراً بصعوبة ضبط ومراقبة المعابر غير الشرعية بين البلدين، لأسباب مختلفة، فإنّ الضجّة السّياسية والإعلامية التي أثيرت مؤخراً حول عمليات تهريب ليست جديدة بل تاريخية، طرحت الكثير من علامات الإستفهام حول أسبابها الفعلية وخلفياتها الحقيقية، وتوقيتها، والتي تتجاوز الخوف من استنزاف الخزينة اللبنانية من العملات الصعبة، ومن فقدان هاتين المادتين من السوق المحلية بسبب عمليات التهريب.
هذه الأسئلة التي بقيت بلا أجوبة رسمية أو غيرها عليها، تمحورت حول نقاط معينة، من أبرزها:
أولاً: حتى أواخر عام 2018 كانت عمليات التهريب للمازوت والطحين تسير في الإتجاه المعاكس، أي من سورية باتجاه لبنان، إلى أن بدأت أزمة هاتين المادتين وغيرهما تتفاقم في سورية بسبب العقوبات الدولية وسنوات الحرب والحصار على سورية.
لكن عمليات التهريب السابقة كانت تسهم على نطاق واسع في تخفيف الأعباء عن الطبقات الفقيرة، التي كان قسم كبير منها يذهب الى سورية للتسوق بالسلع الغذائية الرئيسية نظراً لفارق الأسعار ورخصها هناك مقارنة بلبنان بالنسبة لذوي الدخل المحدود. ما يطرح سؤالاً محورياً هو: أين كانت هذه الإعتراضات في السابق على عمليات التهريب بين البلدين، والتي كانت تحلّ العديد من الأزمات المعيشية والإقتصادية في لبنان، ولماذا لم يروها إلا اليوم؟
ثانياً: يؤكّد عاملون في قطاع المواد الغذائية في لبنان بأن السلع التموينية الرئيسية ستشهد نقصاً فادحاً في الأشهر المقبلة، وصولاً إلى اختفائها من الأسواق وارتفاع أسعارها بشكل حاد. وبما أن هذه السلع يأتي أغلبها من سورية، وتحديداً الحبوب وغيرها، فإن الدعوات لإغلاق الحدود اليوم ستتغير كليّاً في وقت قريب. فما هو ردّ فعل الدّاعين اليوم لإغلاق الحدود إذا وجدوا أن السلطات السورية هي التي قرّرت إغلاق الحدود لمنع تهريب هذه السلع باتجاه لبنان، فمن أين سيؤمّن لبنان هذه السلع في ظل إقفال المطار، وإغلاق الحدود البرية وجمود حركة المرافىء بسبب المخاوف من تفشّي وباء كورونا؟.
ثالثاً: بسبب الأزمة المالية والنقدية، وتعذر تحويل الأموال إلى الخارج لاستيراد المواد الغذائية وغيرها، وهي بحدود 80 في المئة من حاجات لبنان، فكيف يمكن للسلطات واللبنانيين معالجة أزمة النقص التي بدأت في السلع الغذائية، وبارتفاع أسعارها بشكل جنوني بسبب إنهيار غير مسبوق لليرة اللبنانية مقابل الدولار، إذا أغلق لبنان الحدود مع سورية.
على هذا الأساس لا يمكن تفسير إغلاق لبنان حدوده مع سورية إلا انها قفزة في المجهول، وهي بمثابة حصار ذاتي يشبه الإقدام على الإنتحار؛ لأن إغلاق الحدود لم يقابله أي خطوات تنسيقية مع الجانب السوري لتفعيل المعاهدات بين البلدين، وهي معاهدات إذا لم يتم تفعليها اليوم بين بلدين يعانيان من ظروف صعبة مماثلة، فمتى يتم تفعيلها إذاً؟ وهل هؤلاء يعرفون التاريخ والجغرافيا بين البلدين بشكل جيد؟.
رابعاً: يبدو لافتاً ومستغرباً في آن، أن من يشكون من عمليات التهريب بين لبنان وسورية، صمتوا عن عمليات تهريب بضائع بين لبنان ودول أخرى، مثل تركيا والعراق ودول الخليج العربي ودول أوروبية؛ فهل هناك تهريب بزيت وتهريب بسمنة، أم الذين لم يستفيدوا من التهريب هنا مقابل إستفادتهم من التهريب هناك يبرمجون مواقفهم وفق هذا المقياس؟
خامساً: لماذا لم يطلب دعاة إغلاق ومراقبة الحدود بين لبنان وسورية يوم كانت المجموعات المسلحة تعبر من لبنان باتجاه سوريا بدعوى إسقاط النظام، وعندما فشلوا في ذلك إنقلبوا على مواقفهم السابقة ودعوا لإقفالها؟.
مواضيع ذات صلة:
-
إجراءات احتواء كورونا تتعثّر وتحذيرات من ″الأسوأ″ القادم… عبد الكافي الصمد
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد