غداة جلسة مجلس الوزراء يوم أمس سئلت وزيرة الإعلام منال عبد الصمد، بعد تلاوتها مقررات الجلسة، إنْ كانت الحكومة ستتخذ إجراءات صارمة لمواجهة إرتفاع الأسعار، في ضوء حجم الإرتفاع الهائل لأسعار السلع، وخصوصاً الغذائية والضرورية منها، فكان ردّها أنّ “هذا الموضوع هو بند أساسي يتم طرحه، وجلسة يوم الخميس ستخصص لبحث هذا الموضوع، والإجراءات الواجب إتخاذها”.
الإرتفاع الكبير في الأسعار كانت ملامحه بدأت بالظهور منذ اندلاع شرارة الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول العام الماضي، ومع الأزمة المالية والنقدية التي ترافقت مع توقف المصارف عن السماح للمودعين بسحب ودائعهم، ما جعل حركة الإستيراد تصاب بجمود كبير نتيجة عدم القدرة على إرسال التحويلات المالية إلى الخارج بقصد التجارة وشراء واستيراد السلع، في بلد يكاد أغلب ما يستلهكه مستورداً من الخارج، فضلاً عن انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار أكثر من ضعف ونصف، حيث ارتفع سعر الدولار خلال هذه الفترة من 1500 ليرة إلى أكثر من 4 آلاف ليرة، ما تسبب بفقدان السلع من الأسواق من جهة، ومن جهة أخرى في ارتفاع غير مسبوق في سعرها.
هذا الإرتفاع الذي فاق قدرة أغلب اللبنانيين على تحمّله، وجعل رقعة الفقر والعوز والجوع تتسع لتشمل أكثر من ثلثي الشعب اللبناني، فاقم منه تفشّي فيروس كورونا في البلاد، وتسبّب بتوقف اعمال شرائح واسعة من اللبنانيين، وفقدان أكثر من 250 ألف شخص وظائفهم بعد التوقف القسّري لآلاف الشركات والمؤسسات والمصانع عن العمل.
فمنذ الإعلان عن ظهور أول إصابة بفيروس كورونا في لبنان في 21 شباط الماضي، ووفاة أول شخص نتيجة إصابته بهذا الفيروس في 10 آذار الفائت، وإعلان الحكومة بعد ذلك بخمسة أيام حالة التعبئة العامّة في البلاد، وتمديدها أكثر من مرّة وصولاً إلى تمديدها أمس حتى 24 أيّار الجاري، شهدت الأسواق ومحال السوبرماركت والسمانة إرتفاعاً غير عادي في الأسعار، بشكل يفوق قدرة أغلب اللبنانيين على شراء الضروري منها، ما دفع كثيرين إلى الخوف من انتشار أعمال السرقة والإعتداء والنهب، وهي أعمال بدأت مؤشراتها بالظهور في أكثر من منطقة لبنانية، ومن اقتراب البلاد تدريجياً من حافّة المجاعة.
برغم كل ذلك غابت الحكومة والوزراء والأجهزة المعنيين بهذا الموضوع عن السمع، وتركوا أسعار السلع في الأسواق بلا أي رقابة عليها، جدّية أو شكلية، في ظلّ تفلت غير طبيعي أسهم في وقوع المواطنين تحت أعباء لا يستطيعون تحمّلها في أي ظرف.
خلال هذه الفترة كانت تحركات الحكومة لضبط الأسعار في الأسواق غائبة، وبدت الحكومة عاجزة عن مواجهة هذه المشكلة، بعدما عجزت عن إجبار المصارف على إعطاء المودعين ودائعهم لديها، والصيارفة بضرورة الالتزام بسعر الصرف الرسمي لليرة اللبنانية مقابل أسعار صرف العملات الأجنبية الذي حدده مصرف لبنان، وهو عجز إمتد إلى فشل الحكومة وجميع الوزراء والأجهزة المعنية في مراقبة وضبط الأسعار ومنع الإحتكار.
طوال الفترة الماضية بقيت الحكومة تتفرّج على معاناة اللبنانيين بلا أي إجراء إحترازي أو تدبير معين لضبط الأسعار، برغم أنّها اعترفت أمس أن “ارتفاع أسعار السلع على اختلاف أنواعها أمر غير مقبول”، معتبرة أنّه “لا بدّ من إجراءات سريعة تعيد الإنتظام إلى هذه الأسعار وتفعيل المراقبة”، قبل أن تعلن أنّ جلسة الحكومة غداً ستخصص لهذا الموضوع حصراً.
ما هي الإجراءات التي ستتخذها الحكومة للجم ارتفاع الأسعار، وكيف ستطبقها، وهل أنّ هذه الإجراءات جدّية أم شكلية، وهل ستسهم برفع المعاناة عن كاهل المواطنين أم لا؟ الأمور غير واضحة بعد، وهنا لا بدّ من الإنتظار حتى بعد غد، على أمل أن تأتي الإجابات عن كلّ هذه الأسئلة.
مواضيع ذات صلة:
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد
-
الحكومة تستدرك خطأها: الجيش بدل الإغاثة والمساعدات نقدية… عبد الكافي الصمد