أجرت الحوار مارلين وهبة: في الوقائع، وجّهت اصابع اللوم الى أبرز النافذين سياسياً ومادياً في عاصمة الشمال، فتلقّى رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي تحديداً نصيباً كافياً من الغرباء وحتى من بعض اهل المدينة، فاعتبر هؤلاء انّ إمكانيات ميقاتي المادية والسياسية قادرة على تسديد عجز الدولة في المدينة.
ولكن لرئيس جمعية العزم والسعادة وابن المدينة الرئيس ميقاتي رؤية اخرى اوضحها صراحةً وبتفصيل في حديث مع “الجمهورية”، معلناً رؤيته الاجتماعية والاقتصادية التي لا تتناقض مع مبادئ الثورة الحقيقية التي انطلقت في 17 تشرين الأول، كاشفاً عن ارقام ضخمة صرفتها مؤسسة العزم وما زالت وهي تؤكد براءته والتزامه بواجبه الاخلاقي وتضامنه مع اهل مدينته، لافتاً انه يتحدث بلغة الارقام للمرة الاولى وبأنه آثَر الصمت لأنّ فاعل الخير لا يعلن عن أعماله، مؤكداً في الوقت عينه انّ “دولة الميقاتي” لا يمكن ان تقوم مقام “الدولة اللبنانية” التي يتوجّب عليها وحدها تحصين طرابلس وتحفيز نموّها لبناء المشاريع. وبرأي ميقاتي انّ هذا ما أجمعت عليه قيادات المدينة في معرض طرابلس، مؤكداً في الوقت عينه انّ الثورة الحقيقية لا تقوم بتخريب المؤسسات وتكسير المصارف والاعتداء على الجيش وتلويث وجه طرابلس الحضاري.
وقال ميقاتي لـ”الجمهورية” انه، ومنذ اليوم الاول لقيام الثورة، أقرّ بأنّ مطالبها محقة وخاصة في ما يتعلق بموضوع البطالة.
وعن هذه الازمة قال انّ معالجتها تقوم بإيجاد حوافز لتعزيز فرص العمل في المدينة، وهذا الدور لا يمكن لفرد وحده القيام به.
فبالإضافة الى تقديم خدماتهم الاجتماعية، يرى ميقاتي أنّ للنواب دورهم الرقابي والتشريعي وليس دوراً تنفيذياً. وقال: “نحن بحاجة اليوم الى سلطة تنفيذية قوية تضع حوافز لتشجيع الاستثمار في منطقة الشمال وفي المناطق النائية لتبقى العائلات في أرضها ولخلق مشاريع تثبّتهم هناك”. وأضاف: “لذلك لا يمكن لأي فرد ان يقيم وحده مشروعاً لا جدوى اقتصادية منه، لأنه سيقفل بعد سنة وسيكون مردوده اكثر ضرراً وسلبية على المستثمر وعلى العمال الذين سيُصرفون بعد سنة”.
وناشَد الرئيس ميقاتي الثوار، من خلال “الجمهورية”، التوضيح انه من الممكن إيجاد الحل المناسب للموضوع المعيشي من خلال التظاهر السلمي والحضاري وليس بطريقة حرق المصارف والمؤسسات، طارحاً تساؤلات عدة:
هل مصلحة طرابلس اليوم بحَرق معظم فروع مصارفها؟
هل مصلحة المواطن بالتوجّه الى فروع المصارف خارج طرابلس ليقبض راتبه او لاسترجاع أمواله؟
هل هذه هي أجندة الثوار ومطالبهم الحقيقية؟
هل هذا الدور هو ما نريده لطرابلس الجديدة؟
وتساءل ميقاتي اذا كانت المشهدية التي يصفها تخبّئ مؤامرة او اي توجه مشبوه يضرب صورة المدينة ولمصلحة من هذه الامور التي تحصل؟
وسأل هؤلاء: هل بمهاجمة منازل السياسيين في طرابلس تصلكم حقوقكم؟
ميقاتي: إنتخبوا طبقة جديدة
وأعلن ميقاتي صراحة، من خلال “الجمهورية”، “إذا كانت التصرفات التي شهدتها طرابلس مؤخراً تمثّل حقيقة رغبة هؤلاء فأقول لهم لا تنتخبوا هؤلاء السياسيين في الانتخابات المقبلة وانتخبوا طبقة جديدة، إذ هكذا يكون التعبير الطبيعي واللائق الذي أتمنى أن تنتهجه طرابلس في المستقبل فتثبت انها مدينة حضارية”.
سألنا الرئيس ميقاتي عن “دولته” التي تضاهي وتغطي عجز الدولة، أقله في مدينة طرابلس، وفق قول ابناء المدينة، فأجاب: “لا غنى عن الدولة، ولا يوجد جمعية او مؤسسة او فرد يمكن ان يقوم مقام الدولة إذ يجب على الدولة رعاية كافة المناطق اللبنانية، وطرابلس واحدة منها، والأجدى تخصيصها بمساعدات استثنائية وخاصة في المناطق النائية والاكثر فقراً، والتي تفتقر النمو الاقتصادي”.
وكشف ميقاتي انه لم يتهرّب يوماً من مسؤولياته، وانّ جمعية العزم متجذرة منذ سنين في المدينة وبدأت أعمالها الخيرية في طرابلس منذ 30 سنة، وقدّمت مئات الملايين من الدولارات الى المدينة، وغطّت الثغرات الصحية والاجتماعية والتربوية والدينية.
وقال: ضميري مرتاح، وأنا راض عن البرنامج الذي وضعناه والذي نعمل عليه في طرابلس، معلناً انّ جمعية العزم سخّرت نفسها منذ شهر حتى اليوم للموضوع الاجتماعي.
وفي رسالة لمنتقديه “وللمخرّبين”، يقول: اذا كانت غاية هؤلاء جرّنا الى الدمّ فلن نجاريهم لأننا لسنا اهل مشاكل، بل أهل العزم والعطاء. واذا كانت الغاية إيقاف مساعدتنا لأهل المدينة فنقول لهؤلاء: مساعداتنا انطلقت ولن تتوقف وركائزها أسس ثلاثة: مخافة الله، برّ الوالدين، مساعدة المحتاج. اما اذا كانوا يريدون منّا إقفال مؤسساتنا وصرف 1500 موظف وكل موظف لديه عائلة لم نقَصِّر معهم قبل وبعد الثورة، نسألهم: هل تحقق الثورة مبتغاها بصرف هؤلاء؟ معلّقاً: لم يقدّم أحد مقدار ما قدمناه، ولا يعتقدنّ البعض بأنني اتكلم عن نفسي فأنا لا اريد “تَربيح جميلة” لأهل مدينتي كما لا اريد ربط السياسة بعمل الخير، ولكن أقله فلينصفونا وليسمحوا لنا قول الحقيقة… فما تحققه جمعية العزم والسعادة لم ينجز في أي منطقة في لبنان وليس فقط في الشمال. وللراغبين فليتفضّلوا الى طرابلس ويزوروا مقرّات جمعياتنا الطبية وغيرها في باب الرمل ودار التوليد ومراكز التوزيع الاجتماعية العديدة في باب التبانة وغيرها من المناطق، بالاضافة الى الفحوصات الطبية والادوية المجانية ليتأكدوا، فإذا ارادوا “تَهشيلنا” نقول لهم بالطرابلسي “صعبة” هذه مدينتنا وسنبقى متجذّرين فيها.
في المقابل أقرّ ميقاتي انه لا يمكن التنبؤ بالمستقبل وخاصة التنبؤ بالشؤم، لكنه يتمنى من اهالي طرابلس صمودهم على ثورتهم الحضارية فقط لأنها وحدها تبني المدينة، ولا بد لليل أن ينجلي في النهاية.
دعوة رئيس الجمهورية هل هناك أمل؟
عن دعوة الرئيس عون الكتل النيابية الى بعبدا، يقول ميقاتي انّ برنامج عملها وغايتها عرض الخطة وليس لمناقشتها او للقرار بشأنها. وبالتالي، لا يمكن انتظار لا السلبي ولا الايجابي منها.
العفو العام
يردّد بعض النواب انّ تعدد القوانين المطروحة للعفو العام ساهم في مكان بتعقيد إقرار القانون وطمره في أدراج اللجان؟! الّا انّ ميقاتي لم يؤيد هذا الاستنتاج، معتبراً انّ كافة المشاريع أحيلت الى لجنة فرعية منبثقة عن اللجان المشتركة وهي تدرس حالياً كافة القوانين المطروحة وستقدّم خلاصتها الاسبوع المقبل الى اللجان المشتركة لرفعها الى مجلس النواب، كاشفاً انّ النواب بانتظار أن يصل هذا المشروع الى المجلس النيابي قريباً كما وعد الرئيس بري، لافتاً انه يجب ان يفهم هذا الموضوع جيداً بأنّ هناك 50 % من المساجين موقوفون من دون محاكمة والمطلوب محاكمتهم من منازلهم، موضحاً انّ قانون العفو العام الذي قدّمه لم يدعُ إطلاقاً الى إطلاق سراح المجرمين او المُدانين الذين يجب درس ملفاتهم على حدة وكل فئة على حدة، على ان يتخذ القرار المناسب في شأنهم لاحقاً، كاشفاً بأنّ مشروع العفو العام سيبصر النور في النهاية بحسب ما كشف لهم رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ميقاتي: إذا أراد بري ستعقد الجلسة
وعمّا اذا كان يتخوّف من توقف انعقاد جلسات مجلس النواب مثلما تنبّأ اللواء النائب جميل السيّد في الجلسة الاخيرة حينما قال إنها قد تكون الاخيرة لمجلس النواب في ظل تفشّي الغلاء وارتفاع سعر الدولار الذي سيؤدي الى ازمة معيشية وامنية تعيق انعقاد جلسة اخرى؟ أجاب ميقاتي مطمئناً: “لا اعتقد ذلك، بل أؤكد أنه في حال أراد الرئيس بري عقد جلسة نيابية لن يوقفه أحد، واذا كان الوضع يسمح له بذلك فإنه لن يتقاعس عن دعوة النواب لعقد جلسة للهيئة العامة في أي لحظة”.
المصدر: الجمهورية