مرّة جديدة يدقّ قائمون على الأمن الغذائي في لبنان ناقوس الخطر، وينبّهون من أنّ البلاد مقبلة على أزمة غذاء حقيقية في الأشهر المقبلة، في حال لم يتم إيجاد مخرج لأزمة إستيراد السلع الغذائية الرئيسية، لأن المخزون في المخازن والمستودعات بدأ ينفد.
عندما بدأت الأزمة المالية بالظهور تزامناً مع اندلاع إحتجاجات الحراك الشعبي في 17 تشرين الأول من العام الماضي، وما رافقها من أزمة مالية ونقدية تمثلت عدم توافر الأموال بالعملة الصعبة، وتحديداً الدولار الأميركي، نتيجة توقف المصارف عن السماح للمودعين سحب أموالهم إلا بالقطارة، ورفضها تحويل أي مبلغ مالي بالعملات الأجنبية وتحديداً الدولار إلى الخارج، بدأت الأزمة الغذائية بالظهور، وشرع كثيرون يدقّون ناقوس الخطر خوفاً من مخاطر وصعاب الأيام والمراحل المقبلة التي بدأت تلوح في الأفق.
ففي بلد يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجاته الغذائية، يمكن فهم حجم وعمق الأزمة عندما تتوقف المصارف عن السماح للتجّار والمستوردين تحويل أموالهم إلى الخارج بهدف مواصلة أعمالهم واستيراد السلع الغذائية الرئيسية، تحت حجّة عدم توافر الأموال نقداً لدى المصارف، ما جعل الخوف يدبّ في عقول وقلوب اللبنانيين خوفاً من انقطاع أكثر من سلعة رئيسية من الأسواق، وعدم توافر بدائل لها.
هذه الأزمة التي فاقم منها تفشّي فيروس كورونا في البلاد، والحجر الصحّي المنزلي الذي ألزمت الحكومة به اللبنانيين، جعل الإقبال على شراء وتخزين السلع الغذائية أشبه بهستيريا خارجة عن المألوف، مترافقة مع ارتفاع هائل في الأسعار زاد بمعدل ضعف إلى ضعف ونصف تقريباً، بينما اللبنانيين يعانون قلة الأموال بين أيديهم، ما جعل تأمين السلع الغذائية الضرورية لأي بيت، ولأيام معدودة، أشبه بأمنية لا يستطيع كثيرون تحقيقها.
وفاقم من حجم الأزمة توقف أعمال أغلب اللبنانيين نتيجة حالة التعبئة العامة التي أعلنتها الحكومة، فأقفلت المحال والمؤسسات والمصانع أبوابها، وتوقفت المهن والمصالح الخاصة عن العمل، وصرف آلاف الموظفين والعمال من أعمالهم بلا أي تعويض، ما تسبب بارتفاع حاد في نسب البطالة بشكل لم يعهده لبنان من قبل، ما جعل الأزمة متشعبة ومعقدة وحلها يبدو مستعصياً في الأفق القريب.
تداعيات هذه الأزمة غذائياً تمثلت بمواجهة معظم السوبرماركت نقصاً في المواد الغذائية والإستهلاكية نتيجة إقبال المواطنين وتهافتهم على تخزين المواد الغذائية بسبب إرتفاع سعر صرف الدولار، والتخوّف من مزيد من الإرتفاع في أسعار السلع، بسبب فقدانها أو احتكار التجار لها، ما أدى إلى انتهاء مخزون السوبر ماركت، وبالتالي فقدان بعض أصناف السلع أو وجودها بكميات قليلة، مثل العدس، الفاصولياء، الزبدة، حليب البودرة، مواد التنظيف وغيرها من السلع.
وبرغم تحذير كثيرين من أن هذه الأزمة ستستفحل أكثر في المرحلة المقبلة، وأن الأمن الغذائي في لبنان مهدد على نحو خطير، وأن البلاد تقف على شفير المجاعة أو تكاد في حال لم يتم تدارك الأزمة ومعالجتها، بطرح أفكار جدّية وعملية لمواجهتها، والإنفتاح على الدول المجاورة لتدارك الخطر الغذائي المقبل، وتحديداً سوريا التي بإمكانها مساعدة لبنان في هذا المجال نظراً لتوافر إمكانيات غذائية جيدة فيها، بالرغم ممّا ألحقته الحرب هناك من أضرار بالقطاعات المتعلقة بالغذاء ككل، فإنّ الحكومة اللبنانية وقطاعات إقتصادية عديدة ما تزال ترفض أو تتردّد في الإقدام على هكذا خطوة إنقاذية، سوف تسهم بلا شك في إخراج البلاد من أزمتها أو عدم غرقها بها أكثر، مكتفية بالصمت أو الرفض من غير إيجاد أو تقديم أي طرح بديل، مستقيلة من مهامها ومسؤولياتها.
مواضيع ذات صلة:
-
إنهيار الليرة تأخّر سنتين.. والسّياسات الخاطئة تنذر بالأسوأ… عبد الكافي الصمد
-
عالم ما بعد كورونا غير: ماذا عن لبنان؟… عبد الكافي الصمد
-
الحكومة تستدرك خطأها: الجيش بدل الإغاثة والمساعدات نقدية… عبد الكافي الصمد