لا يوجد أسوأ من الصورة التي رسمها لبنان لنفسه أو رُسمت له في اليومين الماضيين، فبلد الأرز بدا فاقدا للأهلية، مربكا، ضعيفا ومستباحا، تتحكم فيه سلطة سياسية تبيع وتشتري في كرامة أبنائه، فلا تقيم وزنا لمقاومين ولا لأسرى محررين ولا لشهداء، وتضع المقاومة في موضع المساءلة حول الافراج عن جزار معتقل الخيام كبير العملاء اللبنانيين عامر الفاخوري الذي إستدعى إطلاق سراحه إرتكاب كل الموبقات والمحرمات ما ظهر منها وما بطن.
جاء الطلب الأميركي بالافراج عن العميل، فإنحنت الرؤوس بالسمع والطاعة، وإنتُهكت القوانين، وفُتحت أبواب المحكمة العسكرية في زمن الكورونا وقرارات التعبئة العامة، وخرج منها حكم كفّ التعقبات المشبوه والذي جرى تنفيذه بشكل فوري على غير عادة، فغادر العميل فاخوري المستشفى التي إستعاض بها عن السجن طيلة فترة توقيفه بداعي المرض كونه عميلا ومجرما من فئة الـ vip، وغاب سريعا عن الأنظار.
تحصنت السلطة السياسية وأجهزتها الأمنية بالصمت، وحاول مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات أن يحفظ ماء وجه الدولة بكاملها فسارع الى تمييز الحكم، وسعى قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر الى الحفاظ على ما تبقى من هيبة القضاء فأصدر قرارا بمنع سفر عن العميل لضمان محاكمته في الدعاوى التي كانت تنهال عليه، لكن كل ذلك ضُرب بعرض الحائط، وكأن الفاخوري موجود في بلد من دون سيادة خاضع لسلطة إحتلال، حيث إخترقت طوافة عسكرية أميركية أمس سماء لبنان الى مقر السفارة في عوكر ونقلت العميل الفاخوري الى قبرص ومنها الى أميركا تاركا وراءه جراح أسرى محررين عادت لتنزف من جديد، ودماء شهداء تلعن من عليائها كل من فرّط بها.
شكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب الحكومة اللبنانية على تعاونها في إطلاق سراح العميل الفاخوري، في حين أكدت وزيرة الاعلام منال عبدالصمد أن “الحكومة لم تناقش قضية العميل إنطلاقا من إيمانها بإستقلالية القضاء وعدم تدخلها بعمله”، فمن يكذب على من؟.. هل ترامب يكذب ويريد توريط الحكومة اللبنانية التي يحمل رئيسها وأكثرية وزرائها الجنسية الأميركية؟، أم أن الحكومة تكذب على شعبها بعدما خضعت للاملاءات الأميركية التي من المفترض أنها تتعارض مع قيم ومبادئ وأهداف ما يعرف في لبنان بـ”محور المقاومة والممانعة” الذي أتى برئيس الحكومة ومن ثم عمل على تشكيلها، ثم قام بتأمين الثقة لها في مجلس النواب!؟.
من الواضح أن الحكومة ومعها تيارات سياسية بات معروفا دورها، غارقة حتى أذنيها في هذه الصفقة الفضحية، فلماذا لا تصارح اللبنانيين بحقيقة ما حصل؟، ولماذا لا تكشف عن بنود الاتفاق مع أميركا والذي شكل وصمة عار في جبين لبنان سيكون من الصعب محوها في المدى القريب؟، ألا يحق لهذا الشعب أن يعرف سبب هذا الانبطاح السياسي والعسكري غير المبرر أمام القرار الأميركي؟.
لا شك في أن الحكومة التي تضيع وقتها بالتنظير في قضايا أساسية تهدد لبنان بأمنه وإقتصاده وماله وصحة أبنائه وحاضره ومستقبله، ثم تدفن رأسها في التراب كالنعامة لتمرير صفقة الافراج عن عميل نكّل بأبنائها ومارس بحقهم شتى صنوف التعذيب والقهر، من المفترض أن تخضع للمساءلة في قضية من المفترض أن ترقى الى مستوى الخيانة العظمى، خصوصا أن عملية الافراج بكل تفاصيلها وخروقاتها وإنتهاكاتها ضربت صورة لبنان، وأساءت الى شعبه والى كرامته، والى مقاومته التي إن كانت تدري بصفقة الافراج عن العميل الفاخوري فتلك مصيبة، وإذا كانت لا تدري فالمصيبة أعظم.
مواضيع ذات صلة:
-
من يحاول إلباس طرابلس قناعا جديدا ليس لها؟… غسان ريفي
-
هل ترك جهاد الصمد اللقاء التشاوري؟… غسان ريفي
-
الى بعض ثوار طرابلس.. لا تُعيدوا تجربة ″قادة المحاور″!… غسان ريفي