يشعر كثير من ابناء طرابلس ان مدينتهم مستهدفة، وان التاريخ القريب يتجه لان يعيد نفسه، حيث يذكر الجميع كيف ان الفيحاء عاشت ست سنوات عجاف دفعت ثمنها من أمنها وصورتها وسمعتها واقتصادها بفعل اجندات سياسية – امنية كادت ان تحول الطرابلسيين الى ضحايا لها، لولا القرار السياسي الذي صدر في العام 2014 ونفذت بموجبه خطة امنية ما تزال مفاعيلها قائمة حتى الان بالرغم من بعض الخروقات التي تطل برأسها بين الحين والآخر.
عندما انطلقت ثورة 17 تشرين الاول تصدرت طرابلس المشهد بحضارة تحركاتها وانفتاح اَهلها وقدمت أبهى صورة ما جعلها هدفًا إيجابيًا لوسائل الاعلام المحلية والدولية.
ظن الطرابلسيون ان مدينتهم طوت بثورتها مرحلة كاملة كان يخشاها اللبنانيون وان ثمة علاقة جديدة ستُبنى بين الفيحاء وسائر ابناء الوطن الذين سيشدون الرحال الى المدينة لتعويض زمن الانقطاع عنها ما سيؤدي الى تحريك عجلتها الاقتصادية وتفعيل مرافقها الحيوية، بعدما أيقن الجميع ان طرابلس هي بالفعل عاصمة لبنان الثانية وأنها في السنوات العجاف امنيا جرى إلباسها قناعا ليس لها، خلعته بالكامل مع بداية ثورة 17 تشرين.
تراجعت تحركات الثورة مع دخول اكثر من عامل سياسي اليها، وتراجع حضور الطرابلسيين في ساحة الثورة، واقتصرت الامور على مسيرات واعتصامات
أسبوعية تذكيرية وخجولة، وتصدر المشهد بعض المستفيدين الذين ترفض الأكثرية الطرابلسية الساحقة بعض ممارساتهم التي باتت اقرب الى الفوضى منها الى الثورة.
كل المناطق اللبنانية عادت الى حياتها الطبيعية، وعادت الى الانتظام العام، لا سيما مع تفشي وباء كورونا الذي بات أولوية لدى اكثرية ابنائها، باستثناء طرابلس التي تشهد فوضى غير مسبوقة بدءًا بحركة السير العشوائية وتحول بعض الشوارع فيها الى كاراجات للسيارات، وصولًا الى تفاصيل الحياة اليومية، من المخالفات العلنية باسم الثورة وعدم الاكتراث لأية قرارات بلدية او رسمية ما يضيف أزمات جديدة على المدينة المنهكة تنعكس سلبًا على صورتها وسمعتها.
لا يقتصر الامر في طرابلس على الفوضى والعشوائية فحسب، بل إن ما ينتج عنهما من خروقات امنية واعتداءات يكاد يعيد المدينة الى زمن يجهد كل الطرابلسيين لمحو ذكرياته المؤلمة، خصوصا ان تنامي الإشكالات الامنية بدأ يوحي بأن هناك من يعمل على إلباس طرابلس قناعا جديدا ليس لها، خصوصا مع الخروقات التي تشهدها ساحة النور التي ما تزال مقفلة وهي ترجمت امس في أسوأ صورة عندما اقدم احد الأشخاص ويدعى (ط . ص)على طعن المواطن احمد شعبان حتى الموت بسبب افضلية وضع بسطة في الساحة، وقد نجحت مخابرات الجيش في وضع حد لفتنة كانت تلوح في الأفق من خلال توقيف القاتل في اقل من ساعة.
كما شهدت الساحة نفسها أشكالا تخلله اطلاق نار ادى الى جرح شخصين، اضافة الى ما سبق من مداهمات لخيمة في الساحة تبين ان روادها يتعاطون المخدرات الدعارة.
هذه الإشكالات تضاف الى سلسلة من الحوادث الامنية التي تشير الى تفلت السلاح، حيث شهدت منطقة القبة قبل يومين إشكالا مسلحا بين عائلتين استمر اطلاق الرصاص فيه لنحو ربع ساعة، قبل ان يتدخل الجيش بقوة، وكذلك تبادل اطلاق النار في الزاهرية وجرح شخصين، وقيام عصابة لسرقة السيارات بإطلاق النار على دورية للمعلومات، فضلا عن اطلاق النار الليلي من خلال مجهولين يحاولون العبث بأمن المدينة، وغيرها كثير من الخروقات التي يسعى الجيش والقوى الامنية الى التصدي لها، والتي تحتاج في الوقت نفسه الى قرار حكومي حاسم بوضع حد لهذا التفلت الأمني والاهتمام بعض الشيء بطرابلس التي يسأل كثير من ابنائها: “هل تعلم حكومة حسان دياب ان هناك عاصمة لبنانية ثانية من المفترض ان تضعها وتضع مشاريعها في سلم أولوياتها، خصوصًا بعدما اثبتت التجارب ان توترات طرابلس غالبا ما ترخي بثقلها على كل المناطق اللبنانية؟”.