يوم السبت الماضي 17 كانون الثاني الجاري، إستنكر الرئيس سعد الحريري، في تغريدة له، مشاهد ″المواجهات والحرائق وأعمال التخريب″ في وسط بيروت، التي قام بها محتجّون في الحراك الشعبي، وصفهم بـ″المرتزقة″، مشدّداً على أنّ ″بيروت لن تكون ساحة″ لهم، قبل أن يعود ويغرّد في اليوم التالي مستبدلاً عبارة ″مرتزقة″ بعبارة ″أهلي في طرابلس والشمال″، بعد أن لمس حجم الإستياء الذي وصلته أصداؤه من مناصريه ومستشاريه، رفضاً لعبارته الأولى، لأنّ أغلب المحتجّين الذي قاموا بأعمال الشغب في العاصمة أتوا من طرابلس والشمال، وقسمٌ لا يستهان به منهم من مؤيدي ″التيّار الأزرق″ و″الشيخ سعد″.
هذه التهمة التي تلقتها طرابلس قبل أيّام، وهي تقترب من ذكرى مرور 100 يوم على اندلاع شرارة الحراك، الذي صودف وقوعه يوم أمس، جاءتها من قبل من افترض أغلب الذين احتشدوا في ساحة الإعتصام الرئيسية في المدينة (ساحة عبد الحميد كرامي ـ ساحة النّور) أنهم نزلوا للسّاحات من أجله، ودعماً له، فإذا به يردّ الجميل لهم بوصفه لهم بالمرتزقة، وهم الذين حوّلوا المدينة إلى ″أيقونة″ و″عروس″ الثورة، بعد أن قدمت طرابلس مشهداً إحتجاجياَ وثورياً حضارياً لم تقدّمه أيّ مدينة أو منطقة لبنانية أخرى، وجعلها محطّ أنظار المحتجّين ووسائل الإعلام ومختلف الأوساط.
لكن في الأيام الأخيرة إنقلبت الصورة الإيجابية عن حراك طرابلس رأساً على عقب، وتحوّلت إلى صورة سلبية قاتمة جدّاً، إذ عمّت الفوضى وأعمال الشغب أرجاء المدينة، وأقدم محتجّون أغلبهم يوالي تيار المستقبل والحريري، على خلفية عدم هضمهم وقبولهم إستقالته، ورفضهم تكليف الرئيس حسان دياب تأليف حكومة جديدة في 16 كانون الأول الماضي، على إغلاق معظم الدوائر والمؤسسات العامة والمدارس والجامعات في المدينة، وصولاً إلى حدّ استباحتهم طرابلس وإحراقهم إطارات السّيارات في شوارعها وساحاتها، قبل أن تجري عمليات تنزيلهم إلى بيروت لمشاركة المحتجّين هناك تحرّكاتهم التي اتسمت بفوضى من قبلهم، وعنف شديد من قبل القوى الأمنية.
السمعة الحسنة والصيت الإيجابي اللذين نالتهما طرابلس خلال أيام الحراك الفائتة، فقدتهما المدينة بسرعة قياسية، وبفعل فاعل، ما أعاد إلى الأذهان الإنطباع السابق السلبي عنها، وكأن هناك متضرّرين من أن تكون المدينة على عكس ما يسعون إليه من تشويه صورتها واستخدام فقرائها والطيبيين فيها في معاركهم العبثية، ولو على حساب المدينة وأهلها وقوت يومهم، أو مستقبلهم الذي يزداد قتامة يوماً بعد آخر.
خلال الأيام الـ100 السابقة، لم يكن أحد في طرابلس يتوقع، حتى أكثر المتشائمين، أن تنقلب الصورة الناصعة البياض عنها بهذا الشكل، ولا أن تضيع جهود وتضحيات المحتجّين على فساد أهل السلطة هباءً، وأن تأتي مجموعات دخيلة على الحراك، ولم تولد من رحمه، من أجل حرفه عن مساره وتشويهه والإساءة إليه، وإلى المدينة وناسها ككل، كما لم يكن أحد، بالمقابل، يتوقع أن يأتي يوم يصف الحريري من نزلوا إلى شوارع وساحات طرابلس للدفاع عنه ونصرة له، بأنهم مرتزقة.
مواضيع ذات صلة:
-
قراءة مُبكّرة في حكومة دياب: ما لها وما عليها… عبد الكافي الصمد
-
مساران يضغطان على حكومة دياب .. داخلي وخارجي… عبد الكافي الصمد
-
الحريري وحيداً بلا حلفاء أو أصدقاء… عبد الكافي الصمد