بلغ التوتر بين الضنية وبشري في الساعات الـ48 الماضية ذروته، ووصل إلى مستوى غير مسبوق، على خلفية النزاع بين المنطقتين حول أحقية ملكية “القرنة السوداء”، أعلى قمّة جبلية في بلاد الشام (3088 متراً فوق سطح البحر)، مترافقة بحملات تحريض متبادلة على وسائل التواصل الإجتماعي خرجت عن كل أصول علاقات حسن الجوار، وقفزت فوق القانون والأعراف والحقائق والوثائق الجغرافية.
وأثار هذا التوتر قلقاً واسعاً في مختلف الأوساط، خوفاً من عدم ضبطه واحتمال إنجراف بعض المتهورين لارتكاب أعمال قد تورّط هذه الجهة أو تلك، بعيداً عن لغة الحوار بهدف حلّ المشاكل العالقة بين المنطقتين، والإحتكام إلى القانون من أجل فضّ النزاع القائم، قبل ذهاب الأمور إلى ما لا يحمد عقباه.
وترافق هذا التوتر مع محاولات البعض فرض أمر واقع على الأرض، وتصوير الوقائع على غير حقيقتها، وعكس ما تؤكّده القوانين والقرارات والوثائق الرسمية، واستنباط وقائع تاريخية وهمية لا أساس لها من الصحة، لا تصبّ في مصلحة مطلقيها، إنما تدينهم أكثر مما تدعم حججهم.
ويمكن تلخيص أبرز ملامح توتر الساعات الماضية بين الضنية وبشري بالنقاط التالية:
أولاً: في 28 آب الماضي، زار النائب فيصل كرامي موقع بركة سمارة الذي ينفذه المشروع الأخضر التابع لوزارة الزراعة، في أعالي جرود بلدة بقاعصفرين، متفقداً إياه مع مستشار وزير الزراعة حسن اللقيس الدكتور يوسف شاهين ورئيس بلدية بقاعصفرين علي كنج، بعد أيام على إعطاء الوزارة إذن المباشرة للمتعهد في 22 آب الماضي، حيث اعتبر كرامي أن مشروع البركة سيحل أزمة نقص المياه في جرود البلدة.
ومع أن مشروع البركة سيسهم في إنهاء معاناة قرابة 2000 عائلة تعمل وتعتاش من قطاع الزراعة صيفاً في جرود بقاعصفرين، إلا أن خروج أصوات من بشري معترضة على البركة إعتبرت أن هذا المشروع مخالف للقوانين البيئية، وأنه سيؤدي إلى أزمة مياه في الجانب الآخر من جبل المكمل لجهة بشري وجوارها، أعاد النزاع بين المنطقتين إلى الواجهة، خصوصاً بما يتعلق بالنزاع حول ملكية الأراضي في المنطقة.
ثانياً: برز تناقض واضح في كلام رئيس بلدية بشري فرادي كيروز ونائبي القضاء ستريدا جعجع وجوزاف إسحاق حول البركة والقرنة السوداء. فبعدما قال كيروز إن ″الموقع الذي تنفذ فيه البركة يقع ضمن نطاق بلدية بشري، حسب الوثائق والمستندات التي بحوذة بلدية بشري″، دعت جعجع وإسحاق في بيان إلى ″ترسيم حدود البلدتين وحلّ جميع المشاكل، وبعدها سيتبين أين هي حدود بشري وأين هي حدود بقاعصفرين″.
ثالثاً: قال كيروز إن بحوزة بلديته وثائق ومستندات تثبت كلامه، وأن موقع سهل سمارة هو جزء لا يتجزأ من مشاع بلدية بشري، لكنه لم يظهر أيّاً من هذه الوثائق، إلا أنه بالمقابل رفض الإعتراف بقرار أمين السجل العقاري في الشمال الذي رفعه إلى محافظ الشمال في 12 آب 2014، الذي قال فيه إن ″موقع القرنة السوداء وجوارها هو ضمن النطاق العقاري لبلدية بقاعصفرين″، فاعتبره ″قراراً مردوداً لأنه لا يستند لأي أسس قانونية″. فإذا كان قرار أمين السجل العقاري غير قانوني، ومعه خرائط الجيش اللبناني التي تظهر أن موقع القرنة السوداء ومحيطها، بما فيها موقع بركة سمارة، هي ضمن نطاق بلدية بقاعصفرين العقارية، فأي أسس قانونية تطلب إذا بلدية بشري؟
رابعاً: أظهرت الزيارة التي قام بها أمس نواب قضاء المنية ـ الضنية الثلاثة، جهاد الصمد وسامي فتفت وعثمان علم الدين، إلى وزير البيئة فادي جريصاتي ووفد من بلدية بقاعصفرين ومخاتيرها، وحدة موقف مرجعيات الضنية والمنية وتمسكهم بأراضي القضاء، ومنع التعدّي عليها أو وضع اليد عليها من قبل أي جهة.
لكن ما لم يقله وزير البيئة علناً لوسائل الإعلام نقله عنه بعض أعضاء الوفد الضناوي، إذ أكد جريصاتي أنه ″لم أطلب توقيف الأشغال ببركة سمارة، فهذا ليس من صلاحياتي، وأنا لا أدخل في هذه المتاهات، كما أن قرار وزارة الزراعة دقيق وقانوني″.
مواضيع ذات صلة:
-
دركي أهان أطفالاً مرضى ونساء مسنّات على خط طرابلس ـ بيروت!… عبد الكافي الصمد
-
نشاطات بيئية لا تتوقف: نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً… عبد الكافي الصمد
-
أحمد الحريري في الضنّية بخطاب جديد: راسخٌ أم طارئ… عبد الكافي الصمد