سلكت الازمة الحكومية طريقها نحو الحل وإنتصرت وجهة نظر “ساحر السياسة اللبنانية” الرئيس نبيه بري حيث إرتكزت مبادرته على رعاية قصر بعبدا لمصالحة تضم الاطراف المعنية بحادثة قبرشمون بالتزامن مع التحضير لعقد جلسة لمجلس الوزراء اليوم، بعد نحو شهر وإسبوع من التعطيل.
خلال الفترة الفاصلة ما بين 30 حزيران وحتى اليوم يمكن تسجيل الكثير من المستجدات أعطت الحادثة المشؤومة حجما أبعد من الجغرافيا اللبنانية حيث تشابك الصراع الداخلي مع الانفسام الاقليمي وحتى الدولي، بحيث جاء بيان الخارجية الاميركية في لحظة حرجة جعلت المعنيين ومنهم حزب الله يتنبهون الى ضرورة الخروج من المأزق سريعا والايعاز الى الرئيس بري إطلاق العنان لمحركاته بعدما تعرضت مبادرته الى نيران صديقة عبر كلام منسوب لرئيس الجمهورية ″لست قاضي صلح عشيرة″.
في الحصيلة الاولية، نجح وليد جنبلاط في فرض إيقاعه للسير نحو الحل والافلات من حالة الضغط الشديد التي لامست شكل ″سيدة النجاة″ سابقا، مستفيدا من تعاطف مبدئي من جملة عواصم معنية بالشأن اللبناني، في حين لم تسعف الازمة كما حلها سمير جعجع للاستفادة من ظروفها في سبيل قضم بعضا من الرقعة التي يشغلها جبران باسيل مسيحيا وسياسيا، فطرافة ″قوم بوس تيريز″ لا يمكن صرفها في السباق المحتدم الذي لا يفوت جبران باسيل فرصة واحدة إلا و يحاول الاستفادة منها داخليا وخارجيا.
في إجتماع المصارحة والمصالحة برعاية رسمية من الرئاسات الثلاث، خرج أحد أضلاع الصراع الرئيسية المتمثلة برئيس التيار الوطني الحر منه، ومن إطار الحل، ولهذا مدلولاته الكثيرة، خصوصا أن عدم حضور باسيل يسقط فرضية محاولة الإغتيال التي سبق وأبدى تشددا حولها الرئيس عون، كما ينزع عن التيار الوطني الحر الزعامة المسيحية المفترضة في الجبل قلب السياسة اللبنانية والمعبر الاساسي لمطلق مرشح نحو قصر بعبدا.
لا شك في أن لثنائية الجبل رمزيتها وميزتها المختلفة، فهي وفق المنطق والادبيات ″العونية″ قائمة على إنتزاع الحقوق من الطرف الآخر أي الدروز ووليد جنبلاط شخصيا على خلفية الصراعات الدموية وما تلاها من تهميش مسيحي في حقبة إتفاق الطائف، فصحيح أن وصول العماد عون يشكل إنتصارا مسيحيا إستفادت منه البيئة المسيحية في الجبل غير أنه وبعد مضي نحو نصف الولاية الرئاسية لم تتأثر زعامة جنبلاط في حين أدار باسيل دفة الصراع معه من بوابة إستمالة طرف درزي وبدعم من حزب الله وليس عبر الاتكال على حالة مسيحية منبثقة من قاعدة شعبية صلبة كما كان الحال أيام زعامة كميل شمعون تاريخيا.
قياسا على ذلك، بات واضحا أن الاطراف المعنية بدأت تعد العدة لمعركة رئاسية شرسة وشاقة بعد إنتصاف عهد عون دون تسجيل إنجازات تذكر بقدر الغرق في مستنقع التعطيل والمناكفات التي كان نجمها ورأس الحربة فيها حزب الرئيس القوي ″التيار الوطني الحر″، ودون الاستغراق في التقييم حيال المرحلة السابقة أو ما تبقى من العهد بات مرجحا أن الحسابات الرئاسية هي الغالبة في السلوك السياسي عند باسيل على كل ما عداها من مخاطر محدقة للمصير اللبناني، في السياسة كما في الاقتصاد.