لم تشفع دموع والدة الطفل هاني منصور، وهي تنتحب على شاطئ عكار طالبة النجدة والمساعدة، في إنقاذ إبنها من مياه البحر الذي ابتلعته. ولم يستطع إبن العشر سنوات مقاومة الأمواج فلاقى حتفه أثناء محاولته تمضية بعض الوقت، ظنا منه أن الاستجمام حقا له كغيره من الأطفال.
فقدت الوالدة الأمل بإنقاذ طفلها ليتحول طموحها الى التمكن من إنتشال جثته وإحتضانه للمرة الأخيرة وان كان جثة باردة لا حياة فيها.
دموع الوالدة أدمت قلوب العكاريين الذين يسطرون في يومياتهم مآسي متكررة وسط غياب اي إهتمام رسمي بأهم المرافق الحيوية في المحافظة.
هي المأساة نفسها تتكرر في كل عام، إذ لا يمكن نسيان الشقيقان أسامة (12 عاما) وبلال (15 عاما) كساب، اللذان قضيا العام المنصرم غرقا مقابل بلدة الشيخ زناد، وكانت النتيجة أن رمت الوالدة بنفسها في البحر لانقاذهما قبل أن تغرق هي أيضا ويتم إسعافها الى المستشفى.
المآسي تتكرر والمعالجة غائبة، والحرمان بدأ يطال حياة المواطنين ويهددهم بالقتل. فلم يكن يخطر ببال الوالدة التي تشاجرت مع طفلها في الصباح في محاولة لمنعه من ارتياد البحر أنه سيلقى حتفه بهذه السرعة، وأن الخاتمة ستكون مأساوية ومؤلمة لهذه الدرجة، وهي التي جلست تصرخ طالبة تدخل الغطاسين، وبالرغم من حضور الصليب الأحمر والقوى الأمنية والأهالي الا أن الأمواج العاتية حالت دون التمكن من العثور على جثمان الطفل هاني.
هي فاتورة الاهمال والحرمان يدفعها فقراء عكار بإستمرار من حياتهم وحياة أبنائهم الذين يقضون اما غرقا في بحر غير مؤهل، واما في مجاري الأنهر غير الملائمة للسباحة، أو في قنوات الري المكشوفة بسبب الاهمال والتي أودت بحياة 15 طفلا، واما صدما على طرق عكار وأتوستراداتها العامة التي تفتقر لأبسط شروط السلامة المرورية، حتى الطريق الدولية تغيب عنها الانارة، ومدخل عكار الذي شهد جولات متكررة من الافتتاحات الرسمية بمباركة من رؤساء البلديات والاتحادات ومحافظ عكار من دون أن تنعم المنطقة بأي انارة.
حاول المواطنون يوم أمس البحث عن جثة هاني على ضوء السيارات في ظل غياب البلديات عن السمع. هي البلديات نفسها التي اعتكفت عن المشاركة بالحملة الوطنية لتنظيف الشاطئ العكاري، التي إختتمها وزير البيئة فادي جريصاتي من شاطئ عكار، فوقف مذهولا أمام كميات تحتاج الى حملات بالجملة لتنظيف نفايات مكدسة منذ سنوات. ولتنظيف الشاطئ الذي تحول الى مكب يلجأ اليه أصحاب المحال والمؤسسات التجارية المجاورة.
هي البلديات نفسها التي تذرعت بأنها لم تشارك لأنها لم تكن على علم!، وهي البلديات نفسها التي إعتادت هدر المال العام!، وهي البلديات التي يدخل في سجلاتها دفع مبالغ طائلة لجمع وطمر النفايات في مكب سرار، في حين تغزو النفايات شوارعها وشاطئها!، وهي البلديات التي لم تكلف نفسها عناء وضع لافتات تحذر من السباحة في الأماكن غير الصالحة للسباحة، اما بسبب شدة الموج أو بسبب العمق والتيار البحري! وهي البلديات التي دخل الى صناديقها مبالغ هائلة لم يعلم المواطنون كيف وأين صرفت ولكنها تعز عن إنارة نطاقها البلدي!..
استهتارها أعطى فكرة واضحة عن كيفية تعاطي السلطة المحلية مع أهم المرافئ الحيوية للمحافظة. فكيف يمكن تحقيق التغيير مع هذه السلطة الفاسدة؟ وكيف يمكن أن يحلم العكاريون بغد أفضل لهم ولأبنائهم، وكيف لهم أن لا يئنوا ألما على فقدان أبنائهم؟.
هذه هي البلديات التي حمّلها وزير البيئة فادي جريصاتي قبل شهر جزءا كبيرا من الواقع القائم، مؤكدا “أن هذه النفايات نفاياتكم ليست نفايات اسرائيل، ولا أميركا”.
اختتم حينها الوزير جريصاتي ″حملة تنظيف الشاطئ اللبناني″، من عكار محاولا تسليط الضوء على واقع الشاطئ العكاري، الممتد على مسافة 18 كيلومترا بدءا من مخيم نهر البارد وصولا إلى بلدة العريضة الحدودية مع سوريا.
ولكن للأسف فقد إرتضى العكاريون الاستجمام بين النفايات فدفعوا حياة أبنائهم ثمنا. المصير المأساوي للطفل منصور ولآل كساب سيتكرر باستمرار ما دام الحرمان والاهمال والفوضى والفساد عناوين عريضة لمحافظة عكار.
مواضيع ذات صلة:
-
عكار تطالب بمعاملتها كمحافظة وتستنكر قرار إغلاق مكتب السجل العدلي… نجلة حمود
-
بلديات عكار وحكاية الفساد المستمر… نجلة حمود
-
عكار ـ الهرمل: أصحاب الشاحنات يصعدون ومجلس البيئة يدعو لايقاف المجازر… نجلة حمود