جاءت الذكرى السنوية الحادية والاربعين لمجزرة اهدن هذه السنة مغايرة لسابقاتها، ليس من خلال حجم الحضور السياسي والشعبي الذي ضاق به ككل سنة قصر اهدن وباحاته على رحابتها، إنما لان الذكرى هذه السنة سبقتها شجاعة المصالحة وطي صفحة اليمة طاول وجعها كل بيت في زغرتا ـ اهدن، كما ان الذكرى هذه السنة أتت في غياب ركن اساسي من أركان مدرسة المرده روبير بك فرنجيه.
ولعل العظة التي القاها المونسنيور اسطفان فرنجيه خلال ترؤسه القداس السنوي في اهدن، بحضور رئيس تيار المرده سليمان فرنجيه والعائلة وحشد من السياسيين والفاعليات واهالي الشهداء وحشد من المشاركين، اختصرت كل ما يمكن ان يقال هذه السنة في هذه الذكرى التي جاءت على حد تعبيره معطّرة برائحة المسامحة والغفران بعد المصالحة التاريخية برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد أربعينَ عامًا من مشاعرِ الكراهيةِ والغضبِ التي سكنت النفوسَ، وتوجت ما بدأهُ الرّئيس الراحل سليمان فرنجيه الّذي قال: “عفا اللهُ عن ما مضى” وتوجت ايضا العديد من المبادراتِ الفرديّةِ التي قام بِها نَجل الشهيدِ الوزير سليمان فرنجيه من هنا وهناك تعبيرًا عن روح السَّلام والمسامحةِ الساكنةَ في قَلبِهِ وبهدَفِ مدِّ الجسورِ ووقفِ النزفِ في جروحاتِ الوطن.
في اهدن امس كان الحاضر الاكبر التزام ومحبة اهالي شهداء المجزرة لابن الشهيد الذي مدّ يده مصالحا ومسامحا وفاتحا الطريق للتعالي عن الجراح حيث جددوا المبايعة حضورا راسخا كما في كل سنة، ولهم، وجه المونسنيور فرنجيه التحية والتقدير لدعمهم المصالحة بكلّ نُبل وشهامة والثِّقة بالله تملأ قلوبَهم، وهو الذي دعانا من خِلال ابنهِ إلى الغُفرانِ حين غَفرَ وسامحَ مَن صَلبهُ قائلاً: “إغفرْ لهم يا أبتاه لأنّهُم لا يدرونَ ماذا يفعلون”.
كما كان الحاضر الابرز القاعدة الشعبية لرئيس تيار المرده سليمان فرنجيه التي اثبتت كعادتها انها مجموعة متماسكة لم تثنيها الظروف المناخية التي خيمت على اهدن والضباب الكثيف الذي لف المنطقة من الوصول اليها للمشاركة في القداس واضعة ثقتها بفرنجيه الابن الصادق مع ذاته ومع الآخرين، الثابت بمواقفه والجريء في مقاربة القضايا الوطنية.
من اهدن وتحديدا من جوار المكان الذي ارتقى عنده طوني فرنجيه وزوجته وطفلته و28 مواطنا اهدنيا شهداء في سبيل العيش المشترك والوطن السيد الحر المستقل، ومن باحةِ قصر الرئيس سليمان فرنجيه الذي آمنَ بالعيشِ المشتركِ ونبذ الطائفيّة اطلق المونسنيور فرنجيه صرخة مدوية لما الت اليه امور البلد، داعيا الى لملمة جراح الوطنِ بجرأةِ نجلِ الشهيد طوني فرنجيه وصدقه وقدرته على الغفران وطي الصفحات السوداء، وبجرأة أهل الشهداء ونُبلِهم وبكلّ كلمة وجدانية لطيفة تبني الآخر وتحتويه وتبلسم جراحه بصدق وشفافية وبخوف الله وتفتح آفاقًا جديدةً ومسافات تلاقٍ وحوار من اجل الحفاظ على لبنانَ الذي ضحَّى من أجلِه الآباءَ والأجداد.