أرخت المصالحة التي تمّت يوم الثلاثاء 12 آذار الجاري بين الرئيس سعد الحريري والوزير السابق أشرف ريفي، في منزل الرئيس فؤاد السنيورة في بيروت، تداعيات واسعة على أكثر من ساحة سياسية، سواء ما يتعلق منها بتيار المستقبل أو الساحة السنّية أو الساحة الوطنية، وجعلت الحسابات السياسية لما بعدها تختلف عما قبلها، وفتحت الآفاق أمام مرحلة جديدة مغايرة ينتظر أن تبدأ بالتبلور في الأيام المقبلة.
فقد شكلت المصالحة نقطة تحوّل هامة جاءت قبل قرابة شهر من الإنتخابات النيابية الفرعية التي ستجري في طرابلس في 14 نيسان المقبل، لملء الفراغ في المقعد السنّي الخامس الذي شغر بعد إبطال المجلس الدستوري نيابة عضو كتلة المستقبل ديما جمالي، وأدّت إلى خلط الأوراق، سواء على صعيد الترشيحات أو التحالفات أو النتائج.
هذه المصالحة أسفرت عن رابح وخاسر، نسبياً أو كليّاً، داخل التيار الأزرق والفريق الآذاري، ويمكن تلخيص أبرز الرابحين من هذه المصالحة بالتالي:
أولاً: يعتبر السنيورة أبرز الرابحين والمستفيدين من هذه المصالحة التي كان عرّابها، والتي ساعده فيه الوزير السابق رشيد درباس، فقد حقق من خلالها ربحاً سياسياً صافياً متعدداً. فهو أثبت أن دوره السياسي لم ينته بعد إذا لم يترشح للإنتخابات النيابية أو كان خارج السلطة، وأكد من خلال هذه المصالحة أنه “الأب الروحي” الفعلي لتيار المستقبل، وتالياً لفريق 14 آذار، وأن له مونة كبيرة على قسم واسع من أطراف التيار الأزرق والفريق الآذاري، وكلمته عندهما مسموعة، خصوصاً لدى الصقور منهم، الذين يجدون فيه ملاذهم حتى أكثر من الحريري نفسه.
كما حقق السنيورة من خلال هذه المصالحة جدار حماية سياسية حوله حصّن فيه نفسه في مواجهة الإتهامات التي تساق ضده بالفساد المالي خلال توليه وزارة المالية أو ترؤسه رئاسة الحكومة، وجعلته المصالحة في موقف قوي لرد أي اتهام عنه في هذا الصدد، بعدما استطاع تأمين إلتفاف سياسي سنّي واسع حوله، وعلى وجه التحديد من قبل سنّة 14 آذار.
ثانياً: لا يمكن إنكار أن الحريري قد خرج من المصالحة رابحاً، بعدما استطاع بشكل أو بآخر احتواء و”قصقصة” جوانح من يعرفون بـ”الصقور” في بيته الأزرق، من السنيورة إلى ريفي وقبلهما النائبين السابقين خالد ضاهر ومصطفى علوش، وغيرهم، وأثبت أن الأمر له وحده داخل القلعة الزرقاء، وما إعلان جميع صقوره وقوفهم خلف المرشحة ديما جمالي، بعد تململ، في الإنتخابات الفرعية ودعمها، سوى التزام منهم بقرار الحريري في هذا الصدد، الذي اتخذه سريعاً ومنفرداً.
ثالثاً: خرجت جمالي من المصالحة رابحة، بعدما أمّنت لها وقوف أغلبية تيار المستقبل وفريق 14 آذار خلفها، ما حسم بشكل كبير نتيجة الإنتخابات، ويعني ذلك أن جمالي ستعود إلى مجلس النواب بعدما أبطل المجلس الدستوري نيابتها، وهي على الأرجح ستخوض الإنتخابات مريحة بلا أي منافس من تيار المستقبل أو حلفائه أو العائدين اليه أمثال ريفي.
أما الخاسرين من المصالحة، فأبرزهم كان ريفي، برغم أنه حاول أمس في مؤتمره الصحافي تبرير هذه المصالحة وتصويرها على أنها إنتصاراً له وليست خسارة. لكن ريفي يدرك جيداً حجم الصدمة التي أصيب بها أنصاره في طرابلس، الذين يُرجّح أنه لن يكون قادراً مجدداً على استعادتهم في الإستحقاقات المقبلة، برغم أنه كان يمتلك فرصة حقيقية للفوز في الإنتخابات الفرعية، لكنه بدّدها.
فخروج ريفي على الحريري قبل قرابة 3 سنوات كانت من وجهة نظره بسبب سياساته الداخلية والتسويات التي يعقدها مع حزب الله والتيار الوطني الحر وحلفائهما، وهو اتهم الحريري بأنه يُفرّط بكل مكاسب وتضحيات فريق 14 آذار، وكان أعلن قبل الإنتخابات النيابية العام الفائت أنه سيشكل لوائح إنتخابية سيواجه فيها تيار المستقبل في كل لبنان، لكنه تلقى في الإنتخابات خسارة كاملة، بما فيها طرابلس، وها هو يعود إلى “البيت الأزرق ” من غير أن يُبدّل الحريري شيئاً في موقفه وسياساته التي اعترض عليها ريفي، وهي عودة لا شك ستكلفه، سياسياً وشعبياً، الكثير في الإستحقاقات المقبلة.
مواضيع ذات صلة:
-
المستقبل يُبدّل شعاره الإنتخابي: منع كسر الحريري.. وليس حزب الله… عبد الكافي الصمد
-
المستقبل يستنفر لبنان من أجل فرعية طرابلس… عبد الكافي الصمد
-
تشنج في الساحة الدرزية على خلفية دعم سوريا لحلفائها… عبد الكافي الصمد