وقفت السّاحة الدرزية، ومعها اللبنانية، الأسبوع الماضي عند تطور بالغ الأهمية، وأحدث سجالاً متشنجاً بين حلفاء سوريا في لبنان وعلى رأسهم النائب طلال إرسلان والوزير السابق وئام وهاب، وبين خصومها في لبنان وعلى رأسهم النائب السابق وليد جنبلاط، وتسبب السجال بتوتر إفتراضي شهدته وسائل التواصل الإجتماعي، بعد مواقف وتغريدات قاسية تبادلها إرسلان ووهاب من جهة، وجنبلاط من جهة أخرى، قبل تهدئة الوضع ومنع انفلات الأمور.
ونبع السجال على خلفية قرار إتخذته القيادة السورية مؤخراً، وُصف بأنه ″إستثنائي″، يقضي بعدم السماح لأي رجل دين درزي لبناني بدخول الأراضي السورية، ما لم يحصل على بطاقة تعريف خاصة تمنح من شيخ عقل الدروز نصر الدين الغريب القريب من إرسلان، ما اعتبر بنظر خصوم سوريا ″تدخلاً″ في الشؤون اللبنانية عموماً والطائفة الدرزية خصوصاً، و″مسّاً″ بالسيادة الوطنية، وصولاً إلى حدّ اعتبار البعض من الخصوم إياهم للقرار بأنه ″فتنة″.
وذهب هذا البعض إلى حدّ اتهام سوريا بأنها تهدف من وراء هذا القرار إلى دعم حلفائها في لبنان، وكأن هذا الدعم نقيصة، وهم الذين كان أغلبهم يحظون بهذا الدعم أيام الوجود السوري في لبنان، قبل أن ينقلبوا على سوريا، ويحظون في أوقات لاحقة أعقبت خروج سوريا من لبنان عام 2005 بدعم من دول وجهات معادية لها، الأمر الذي جعلهم متناقضين مع أنفسهم والآخرين. إذ كيف يكون حصولهم على دعم سوريا سابقاً وطنياً ويصبح بالنسبة للآخرين حالياً عكس ذلك، وهل أن تلقيهم دعماً من دول وجهات على عداء مع سوريا يكون مبرراً ولمصلحة لبنان، بينما لا يحق لخصومهم في لبنان الحصول على دعم سوريا هذه الأيام، وتعتبر هذه الخطوة مضرّة بمصالح لبنان؟
والبارز في هذا السياق أن التطوّر الأخير على السّاحة الدرزية سبقه قبل أيام زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب دمشق بدعوة من نظيره السوري، لمناقشة قضية عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، وتخفيف أعبائهم عن كاهل لبنان، لكن خطوته قوبلت برفض واحتجاج من خصوم سوريا على الزيارة، واعتبروها خرقاً لمبدأ ″النأي بالنفس″ عن أحداث سوريا الذي التزمته الحكومة.
لكن مبدأ النأي بالنفس الذي ابتكرته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عند بداية الأحداث في سوريا، من أجل تجنيب لبنان التداعيات السورية عليه، لقي هجوماً قاسياً من فريق 14 آذار حينها، قبل أن تتبناه حكومتا الرئيس تمام سلام وسعد الحريري، لكنهما طبقتاه بشكل إستنسابي ومزاجي، بعدما اعتبرا النأي بالنفس ″قطيعة″ تامة مع الحكومة السورية، وعدم مناقشة أي أمر معها يهم البلدين، وتحديداً لبنان، سياسي أو أمني أو إقتصادي وغيره، على طريقة النعامة التي تدفن رأسها في الرمال، في وقت عززت فيه حكومتا سلام والحريري علاقتهما مع خصوم سوريا في لبنان، واستمرتا في إطلاق المواقف السلبية بحق القيادة السورية، ما جعل مبدأ النأي بالنفس أو الحياد، فارغاً من مضمونه، وكان طبيعياً أن تعاملهم الحكومة السورية على أنهم خصوم لها.
لذلك يرى البعض أن الإنتقاد الذي وجّهه فريق 14 آذار لسوريا بسبب خطوتها الأخيرة، غير منطقي، خصوصا أن بعضهم كان ″رأس حربة″ ضد النظام السوري إرضاء لخصومه بالمنطقة، بينما كان بإمكانهم توفير الكثير على أنفسهم ومناصريهم ولبنان لو اتبعوا في علاقاتهم مع سوريا الطريقة التي سار عليها رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي قال بعد خروج سوريا من لبنان وعودته من منفاه الباريسي، بأن مشكلته مع سوريا هي وجودها في لبنان، وعندما خرجت لا مشكلة لنا معها، ما جعل المسؤولين السوريين يقولون عنه إبان زيارته سوريا عام 2008 بأنه رجل “خاصم سوريا بشرف وصالحها بشرف″.
مواضيع ذات صلة:
-
فرعية طرابلس: خلط أوراق يُبعثر الحسابات المسبقة… عبد الكافي الصمد
-
إهتراء مالي وإقتصادي يواجه الحكومة.. كيف ستعالجه؟… عبد الكافي الصمد