هي المرة الأولى في تاريخ لبنان، منذ الإستقلال في عام 1943، التي تنال فيها حكوماته المتعاقبة ثقة مطلقة من نواب الشمال أكملهم، إذ لم يسبق أن نالت أي من حكومات ما قبل إتفاق الطائف وما بعده ″شيكاً″ على بياض من الثقة من نواب الشّمال كما تناله اليوم.
لم يعد خافياً أن نواب الشمال الـ28، بكل طوائفهم وأحزابهم وتياراتهم وشخصياتهم قد تركوا لدى الرأي العام الشمالي إنطباعاً، منذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة، وقبل جلسات الثقة، بأنهم سيعطون الحكومة ثقتهم، لا فرق إن كانت ثقة مشروطة أم لا، ومن غير أن يبدل إنتقادهم لها من الأمر شيئاً، لأن ما كتُب قد كُتب، والحكومة العتيدة نالت ثقتهم حتى قبل أن يلقوا خطاباتهم أو يرفعوا أيديهم تأكيداً على ذلك.
الإجماع الشّمالي على إعطاء الحكومة الثقة لا يعود إلى أنها أكدت في بيانها الوزاري، الذي يفترض أن تنال الثقة على أساسه لا أن يكون مجرد ورقات تضم وعوداً لن تتحقق وأنها سوف تبقيه حبراً على ورق، أنها ستكفّر عن خطاياها السابقة، من تقصير وحرمان وإهمال وظلم ألحقته بالشمال جراء سياساتها الإستنسابية، أو أنها رأت أنه يفترض بها أن تلتفت إلى مناطق الشمال قبل غيرها لتعويضها، بل إن هذه الثقة الكاملة تعود إلى سبب آخر.
فالنتائج التي أفرزتها صناديق الإقتراع في إنتخابات 6 أيار من العام 2018، وزّعت النواب الفائزين على تيارات وأحزاب وكتل ولقاءات، تمثلت جميعها في الحكومة التي شكلها الرئيس سعد الحريري في 31 كانون الثاني الفائت، بعد مرور 252 يوماً على تكليفه، وبالتالي فإنه يُفترض أن يمنح نواب الشمال، من حيث المبدأ، ثقتهم للحكومة، نظراً لوجودهم فيها.
ومن خلال إلقاء نظرة على توزّع نواب الشمال سياسياً، فإنهم موزعين على تيار المستقبل وكتلة الوسط المستقل والتيار الوطني الحرّ وتيار المردة والقوات اللبنانية واللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين، بحيث لم يبق بينهم أي نائب مستقل أو ليس ممثلاً عبر حزبه أو تياره داخل الحكومة، إلا نائب الكورة سليم سعادة المنتمي إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي، الذي منح الحكومة ثقة مشروطة لمئة يوم فقط إكراما لحلفائه الموجودين فيها.
هذا المشهد السياسي الشمالي غير المسبوق في تاريخ جلسات الثقة، يرتّب على الحكومة وعلى النواب الشماليين مهمات ثقيلة جداً. فالحكومة مطالبة أان تنظر إلى هذه الثقة على أنها ليست مجانية، وأن وزرائها مطالبين بالإلتفات إلى الشمال وتلبية مطالبه، سواء اعتبرت ذلك واجباً طبيعياً ينبغي عليها تأديته، أو بناء لإلحاح النواب الشماليين الذين لم يعد يوجد بعد اليوم أي عذر لهم، والقول إنهم موجودين في المعارضة، فالكل أصبح داخل السلطة ولو بنسب وحقائب وزارية مختلفة.
لا شك أنها مهمّة ثقيلة على الطرفين معاً، وإن كانت على النواب الشماليين أكبر، لأن بقاء الوضع التنموي والخدماتي في مناطقهم على حاله من التردّي، يعني فشلهم، ويعني أيضاً أن حساباً عسيراً ينتظرهم في استحقاق 2022.
مواضيع ذات صلة:
-
السلطة السياسية تُضيّع فرصة الإستفادة من مرفأ طرابلس… عبد الكافي الصمد
-
حكومة الحريري الثلاثينية: ملاحظات شمالية… عبد الكافي الصمد
-
عكّار والضنّية والمنية وبشري: أبناء الجارية لا يدخلون الحكومة(؟!)…عبد الكافي الصمد