فاجأ موقع ″إيلاف″ الإخباري على شبكة الإنترنت اللبنانيين يوم الإثنين الماضي في 4 شباط الجاري، بنشره مقالاً هاجم فيه رئيس الحكومة سعد الحريري بعنف، هو الأول من نوعه لموقع إخباري واسع الإنتشار يصنّف نفسه على أنه أول جريدة يومية إلكترونية عربية، كانت أول إطلالة لها في 21 أيار من العام 2001.
أسباب التفاجؤ اللبناني، الرسمي والشعبي، تعود إلى أن موقع ″إيلاف″ الذي أسسه ويشرف عليه الإعلامي السعودي المعروف عثمان العمير، هو موقع إخباري مقرب من دائرة القرار في المملكة العربية السعودية، ويعكس بشكل شبه دائم سياساتها في داخل المملكة وخارجها، ويتبنى وجهات نظرها حيال مختلف القضايا.
اللافت أن المقال المنشور حمل عنواناً مثيراً للإنتباه، وغير مسبوق في الصحافة الورقية والإلكترونية في السعودية، كونها كانت دوماً تنظر إلى الحريري على أنه يمثل واجهة سياستها ونفوذها في لبنان وكانت دوماً الداعمة الرئيسية له، وصولاً إلى حد وصفه بأنه ″إبننا″، إذ جاء العنوان على النحو التالي: ″قال لـ″إيلاف″ إن الحكومة اللبنانية تسلّم لبنان لحزب الله. مسؤول خليجي عن الحريري: لا للسيف ولا للضيف ولا لغدرات الزمان!″.
والمقال الذي نُشر بعد أيام قليلة على تأليف الحريري حكومته يوم الخميس في 31 كانون الثاني الماضي، بعد مرور 252 يوماً على تكليفه تأليفها في 26 أيار من العام الماضي، لم يحمل توقيع كاتبه، ونسب كلاماً إلى مسؤول خليجي لم يُذكر أيضاً، حمل إنطباعاً أن المقال يعكس وجهة نظر الدولة السعودية، التي اعتادت على أن تنشر هكذا مقالات في وسائل الإعلام التابعة لها، سواء كانت ورقية أم إلكترونية، أم تصدر في السعودية أو خارجها، أو كانت مسموعة أو مقرؤة أو مرئية.
والمقال الذي شكّل عنوانه ومضمونه إنتقاصاً من الحريري، عبّر أيضاً عن شعور بـ″خيبة أمل خليجية من تشكيلة سعد الحريري الحكومية التي سلمت مفاصل البلاد إلى حزب الله وحلفائه″، ورأى أن الحكومة ″تصطدم بألغام خارجية، إضافة إلى الألغام الداخلية التي بدأت تنفجر في وجه رئيسها الحريري، بعيد ساعات من إعلانها″، في إشارة إلى السجال العنيف الذي نشب بين الحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، قبل أيام، والذي أفردت جريدة ″الشرق الأوسط″ السعودية مساحات واسعة من مواقفه التي انتقد فيها الحريري بعنف، بينما كان نصيب الأخير مساحة أقل على صفحاتها.
وكشف مقال موقع ″إيلاف″، نقلاً عن المسؤول الخليجي، أن ″بعض الدول الخليجية كانت تدرس إمكانية دعوة رعاياها إلى تكثيف زياراتهم إلى لبنان، لكن الأمر يبدو مستبعداً في ظلّ التطورات الحكومية الأخيرة″، متهماً الحريري بأنه ″شكل حكومة على قياس حزب الله، من دون أن يستمع إلى زعماء لبنانيين وخليجيين نصحوه بالإعتذار عن تشكيل الحكومة″، وأن المسؤول الخليجي ″إلتقى أخيراً مسؤولين لبنانيين (لم يذكرهم ولم يحدد مكان إجتماعه بهم)، وبحث معهم آخر التطورات في لبنان والمنطقة، وأنذرهم بأن عقوبات أميركية وأوروبية آتية على مصارف لبنان وعلى وزارة المال اللبنانية، بسبب تحكّم حزب الله بالسياسة اللبنانية″.
كل ما سبق يطرح تساؤلات عن أسباب تردّي العلاقات بين السعودية والحريري إلى هذا الحدّ، وهو تردٍ بدأ منذ احتجاز الحريري 14 يوماً في السعودية في شهر تشرين ثاني من عام 2016 وإجباره منها قسراً على تقديم إستقالة حكومته قبل تراجعه عنها، وهل سينعكس ذلك تردياً على علاقات المملكة بلبنان خصوصاً على الصعيد الإقتصادي، وما هو مصير حلفائها الآخرين في لبنان، وكيف ستتعامل معهم، وهل سيقفون ضد الحريري إذا طلبت منهم السعودية ذلك، وهل إنقطعت شعرة معاوية نهائياً بين الطرفين؟.
هذه الأسئلة المقلقة للسعودية والحريري وحلفاء الطرفين (عكس خصومهما) في لبنان تعود إلى أن المملكة ليست لاعباً عادياً في لبنان سياسياً وإقتصادياً وإعلامياً وغير ذلك، بل لها تأثير كبير لا يمكن إهماله وتجاهله، ولا القفز منه وكأنه لم يكن، برغم تراجع هذا التأثير كثيراً في السنوات الأخيرة.
مواضيع ذات صلة:
-
علاقة الحريري ـ جنبلاط المتوترة: إلى أين؟… عبد الكافي الصمد
-
حكومة الحريري الثلاثينية: ملاحظات شمالية… عبد الكافي الصمد
-
التشكيلة الحكومية: رابحون وخاسرون… عبد الكافي الصمد