منذ بروزه على الساحة السياسية لم يفتأ الرئيس نجيب ميقاتي من المجاهرة بتمسكه بالثوابت الوطنية الضابطة للعبة السياسية محليًا ودوليًا، على قاعدة تدوير الزوايا ما يضمن التحليق في سماء الأحداث على اختلافها، من دون الانزلاق الى تفاصيلها الصغيرة، مقاربًا من خلال تبوّئه سدة الرئاسة الثالثة بلورة كل الملفات وتقاطعاتها.
جعل ميقاتي من نفسه مرجعا لا يمكن تجاوزه سياسيا وشعبيا، آخذا من نظرته الثاقبة للمشهد العربي واللبناني، وراسما ومرسّخا فكرته التي دعت الى ″أن ينأى لبنان بنفسه عن مجريات ما يدور في الفلك العربي″.
هذا النأي بالنفس لدى الرئيس ميقاتي لا يعني الانكماش داخليا أو التموضع داخل جدار الوطن بقدر ما يترك مساحة رؤية عند الاخرين على مقاس رؤيته ومتابعته لما يجري خصوصا في سوريا.
أما الثابت عند الرئيس ميقاتي هو عدم الهروب أمام ازمات الوطن العربي بقدر الدعوة الى جعل هذه الازمات في دائرة أصحابها والمعنيين بها أولا، ثم التقاط جوانبها بما يعني المحيط.
تمكن الرئيس ميقاتي من رسم خط وطني مستقل له مغردا خارج سرب الطوائف والمذاهب وخارج الحسابات الضيقة، وذلك إنطلاقا من ميثاقيته الثابتة التي تجلت في مواقفه بتغليبه الطائف على الطوائف ما شكل مدخلا حقيقيا للصيغة الدستورية الجديدة التي وافق وصادق عليها جميع الافرقاء.
ليس غريبا على الرئيس ميقاتي الاندفاعة الهادئة وقراءة ما بين السطور حيال ما يجري على الساحة اللبنانية من جهة والعربية من جهة ثانية، فقد تمكن من إرساء قواعد لطالما تجاوزها كثيرون من السياسيين في لبنان حين أعطى الوطن بعدا مختلفا في تشخيص وعلاج الازمة المحلية.
من خلال ذلك يكون قد اكد بأن المدرسة الميقاتية السياسية اذا صح التعبير، باتت مصدرا ايحائيا للعديد دون الاشهار بذلك، لا سيما ان مواقف ميقاتي تظهر بطريقة او بأخرى لدى الكثيرين من الساسة اللبنانيين.
أمام هذا الواقع، فإن الحكمة التي يتمتع بها الرئيس ميقاتي تفرض تدخله كمنقذ لحل الازمة السياسية التي ترخي بثقلها على لبنان، فلا يخفى على أحد أن وجود رجالات سياسة هو مطلب ملح من جميع اللبنانيين الراغبين بعودة الحياة الى وطنهم.