لم تكد تمضي ثلاث ساعات على دعوة النائب جميل السيد، في مؤتمر صحافي عقده أمس في مجلس النواب، رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقد جلسة نيابية في نهاية الأسبوع الجاري يسحب بعدها التكليف من الرئيس سعد الحريري في حال تعذر عليه تشكيل الحكومة في غضون أسبوع، حتى وصل الحريري إلى مقر الرئاسة الثانية وإلتقى برّي، وخرج بعده الأخير ليعلن أمام الصحافيين أن الحريري “بصدد تكثيف المساعي، ويأمل أنه خلال أسبوع، لا بل أقل، أن ترى الحكومة العتيدة النور”.
عودة موضوع تأليف الحكومة إلى صدارة الإهتمامات السّياسية المحلية، بعدما حجبت القمة الإقتصادية العربية الرابعة التي عقدت في بيروت بين 19 و20 الجاري الملف الحكومي، يدل على أن الضغوط على المعنيين بتأليف الحكومة تتجه نحو مزيد من التصعيد في خلال الأيام القليلة المقبلة، بعدما دخل التكليف الشهر التاسع من غير ظهور أي مؤشرات تدلّ على أن ولادة الحكومة قريبة، وأن المراوحة ما تزال سيدة الموقف برغم مرور 244 يوماً على تكليف الحريري تأليف الحكومة.
أبرز هذه المؤشرات التي تعرقل تأليف الحكومة تمثلت في أن الحريري ما يزال يرفض كل المبادرات وصيغ التسويات التي عرضت عليه للتأليف، والتي كان آخرها صيغة الـ32 وزيراً التي عرضها عليه رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل بصيغة جديدة ومنقحة، بعدما رفض الحريري كل الصيغ السابقة، تقضي بأن يكون الوزير المسلم الإضافي سنّياً ومن حصّة الحريري، ما يعني إستبعاد العلويين عن التمثيل في الحكومة الموسعة، مقابل فتح الباب أمام السريان لدخولهم مجلس الوزراء على أن يكون وزيرهم من حصّة رئيس الجمهورية ميشال عون، ما يفسح في المجال أمام مشاركة نواب اللقاء التشاوري السنّة الستة في الحكومة.
لكن زيادة وزيراً سنّياً سابعاً على الحكومة سيحدث خللاً في التوزيع المذهبي المسلم للوزراء في الحكومة، ما سيرجّح كفّة السنّة (7 وزراء) على الشيعة (6 وزراء)، وهو أمر لم يحصل في كلّ حكومات ما بعد اتفاق الطائف، التي تساوى فيها دائماً السنّة مع الشيعة، باستثناء مرة واحدة عندما تنازل برّي عن وزير من حصة الشيعة من أجل الإفساح في المجال أمام مشاركة النائب فيصل كرامي في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي عام 2011.
هذا الخلل في التوزيع المذهبي يدرك الحريري أن إمراره مستحيلاً، وجعلت برّي يقول عن الحريري أن “هذه الصيغة ليست مطروحة عنده”، لكن سؤالاً طرح في هذا المجال حول سبب رفض الحريري توزير العلويين في الحكومة، وهو الذي تمثلت كتلته النيابية منذ عام 2009 حتى عام 2018 بنائبين علويين هما بدر ونوس وخضر حبيب، كما رشح علويين لانتخابات 2018 وخسرا، أي أن الحريري يملك حضوراً ولو صغيراً داخل الطائفة العلوية، فإذا كان يرفض مشاركة العلويين في الحكومة فلماذا وافق أن يكون على لوائحه الإنتخابية مرشحون منهم، ولماذا يرفض الحريري مشاركتهم تحت حجّة عدم قبوله تكريس عرف دخولهم الحكومة، نافياً عن العلويين، بإيحاءات مباشرة وغير مباشرة منه ومن نوابه وأوساط تياره الأزرق أنهم ليسوا لبنانيين، وأن دخولهم الحكومة يعني بالنسبة له “مشاركة النظام السوري” في الحكومة، برغم أن أكثر من نصف الوزراء في حكومته هم من حلفاء دمشق، فهل يتوقف الأمر عند العلويين فقط، وأين أدبيات “الوحدة الوطنية” و”العيش المشترك” التي كان الحريري يرفعها كشعارات سياسية له منذ دخوله معترك العمل السّياسي؟.
مقاربة الحريري غير الموفقة للملفات الشائكة، ومنها تأليف الحكومة، ورفضه تمثيل نواب اللقاء التشاوري في الحكومة كي يبقى محتكراً تمثيل السنّة في الحكومة، برغم التراجع الكبير الذي حصده في الإنتخابات النيابية الأخيرة، مقابل قبوله حصول باسيل وفريقه السياسي على الثلث المعطل في الحكومة، ما يعدّ تنازلاً غير مسبوق عن صلاحيات رئاسة الحكومة، جعلته يعاني سياسياً في المرحلة السابقة، وسوف تجعل أياماً صعبة بانتظاره إذا استمر على المنوال ذاته.
مواضيع ذات صلة:
-
الصراع الأميركي ـ الايراني حول لبنان.. الى أين؟… عبد الكافي الصمد
-
نوّاب اللقاء التشاوري للحريري وباسيل: نحن هنا… عبد الكافي الصمد
-
وقت ضائع يملأ الفراغ الحكومي بانتظار سين ـ سين جديدة… عبد الكافي الصمد