تداخلت الأجواء المتفائلة بالأخرى المتشائمة بما يتعلق بولادة الحكومة قريباً، في الأيام الأولى من العام الجديد، ما أعطى مؤشراً ملموساً أن حال المراوحة ما يزال مسيطراً، وأن إنسداد أفق الحلّ فتح المجال أمام ما هبّ ودبّ من إقتراحات متضاربة.
مشاورات تأليف الحكومة والإتصالات التي شهدتها عطلة الأعياد بعيداً عن الأضواء أرخت أجواء تفاؤل، سواء من خلال مواقف سياسية أو تحليلات إعلامية، كانت أول بشائرها الزيارة التي قام بها الرئيس المكلف سعد الحريري، في اليوم الأول من العام الجديد، إلى قصر بعبدا ولقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، وإعلانه بعد ذلك أنه يعمل مع رئيس الجمهورية على ″حسم موضوع تأليف الحكومة الجديدة″، آملا أن ″تتشكل قبل انعقاد القمة العربية التنموية الإقتصادية″ التي ستنعقد في بيروت بين 19 و20 الجاري″، معتبراً أنه ″تأخرنا كثيراً بتأليف الحكومة″، ومشيراً إلى أنه ″لا تزال هناك عقدة وحيدة″، إنما من غير أن يُفصح عنها.
واستتبع ذلك بلقاء عقد أمس في بيت الوسط بين الحريري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، أعلن بعده الأخير أنه ″لن نعدم وسيلة أو فكرة دون أن نقدمها، والأفكار كثيرة″، مشيراً إلى أنه ″كل يوم لدينا أمور جديدة نراعي فيها المبادئ الأساسية لتشكيل الحكومة وعدالة التمثيل، ولكي نجد الطريقة التي يتقاسم فيها الأفرقاء السياسيون حلّ المشكلة، ويتوزعوا ذلك على أساس عادل ومنطقي يحترم قواعد تشكيل الحكومات″.
لكن هذا التفاؤل النسبي بدّده رئيس المجلس النيابي نبيه برّي أمس بشكل غير مباشر، ملمحاً ضمنياً إلى أن تأليف الحكومة ليس قريباً، بدعوته إلى ″إحياء″ حكومة تصريف الأعمال، عندما أعلن في لقاء الأربعاء النيابي أمام النواب أنه “تطرق إلى اجتهاد اعتمد عام 1969 أيام حكومة المغفور له الرئيس رشيد كرامي عندما كانت في مرحلة تصريف الأعمال بعدما تعذر تشكيل حكومة جديدة سبعة أشهر، وقضى الإجتهاد بإقرار الموازنة العامة″.
وقال بري للنواب: ″إن اعتبار الموازنة مسألة ضرورة فرض هذا الإجتهاد، ويمكن إعتماده اليوم أيضاً″، وهو أجرى لهذه الغاية إتصالاً بالحريري أبلغه الإستعداد للسير في هذا الإجتهاد، وهو أمر أكده النائب علي بزّي عضو كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها برّي، بقوله إنه “قد يجتمع مجلس الوزراء المستقيل في جلسة لإقرار الموازنة نظراً لأهمّية هذا الأمر″.
هذا التناقض في المواقف بين القوى الرئيسية المعنية بتشكيل الحكومة، لم يعد خافياً أنه بات مرتبطاً بالقمة العربية الإقتصادية والتنموية التي ستستضيفها بيروت بين 19 و20 من شهر كانون الثاني الجاري، والتجاذبات التي تدور داخلياً وخارجياً حول دعوة سوريا من عدمه، إلى حدّ أن البعض ربط تأليف الحكومة بالقمّة، وأن تقارباً بين السعودية وسوريا وفق قاعدة سين ـ سين القديمة، وحده يمكن أن يساعد في خروج الحكومة من عنق الزجاجة العالقة فيه منذ 224 يوماً، حينما كلف الحريري تأليف الحكومة في 24 أيار الماضي، وأن السجالات الدائرة داخلياً ليست سوى لتقطيع الوقت قبل إنضاج الطبخة الحكومية خارجياً.
وإذا كانت كلّ المؤشرات توحي أن عودة سوريا إلى الجامعة العربية قد باتت مسألة وقت ليس إلا، بعد الإنفتاح العربي على دمشق من دول خاصمتها منذ اندلاع الأحداث فيها عام 2011، والتي بدأتها الإمارات بإعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية، وأن السبحة ستكرّ في الأيام المقبلة، فإن أطرافاً عديدة تدعو إلى كسب الوقت ودعوة سوريا إلى قمة بيروت، بعدما باتت دعوتها إلى القمة العربية العادية التي ستعقد في تونس في شهر آذار المقبل تحصيل حاصل.
في ضوء ذلك تذهب التقديرات إلى أن دعوة سوريا إلى قمة بيروت سيُعجّل بولادة الحكومة، أما عدم دعوتها فإنه سيؤجل تشكيلها إلى ما بعد قمة تونس على أقل تقدير، ما سيطيل إقامة أزمة الحكومة اللبنانية في ثلاجة الإنتظار، وسيجعل لبنان يخسر إمكانية الإستفادة من قمة بيروت على أكثر من صعيد.
مواضيع ذات صلة:
-
العرب يعودون إلى سوريا .. أين لبنان؟… عبد الكافي الصمد
-
هل تدفع العقد الجديدة بالحريري إلى الإعتذار؟… عبد الكافي الصمد
-
الحكومة تتعثّر بين ″جموح″ باسيل و″غيبوبة″ الحريري… عبد الكافي الصمد