يراكم الرئيس نجيب ميقاتي في رصيده السياسي كثيرا من المواقف الايجابية التي تشهد له، فالرجل يسير وفق رؤية وطنية واضحة، ومبادئ ثابتة لا تهاون فيها، ولا تنازل عنها ولا تسويات عليها.. رؤية منزهة عن المصالح والأغراض تضع مصلحة الوطن فوق كل إعتبار، وتحافظ على التوازنات الضامنة للاستقرار، والناتجة عن إتفاق الطائف الذي بات الرئيس ميقاتي يشكل خط الدفاع الأول عنه، وعن تطبيقه كاملا، ويحول دون إستبدال بنوده أو نصوصه بأعراف أو إجتهادات من شأنها أن تؤدي الى ما لا يحمد عقباه، في بلد قائم على التوازنات السياسية والطائفية.
منذ إنتهاء الانتخابات النيابية، قلب نجيب ميقاتي صفحة الخلافات والمماحكات السياسية التي شهدتها الحملة الانتخابية، وفتح صفحة جديدة مع الرئيس سعد الحريري بدأت بتسميته مع أعضاء كتلة الوسط المستقل لرئاسة الحكومة ثم بدعم مهمته، وشدّ أزره، وتشكيل شبكة أمان حول تكليفه الذي كان يحاول البعض زعزعته بهدف الضغط على الحريري ودفعه الى مزيد من التنازلات.
لم يعد خافيا على أحد أن الشخص الوحيد المؤهل لمنافسة الحريري بشكل جدي على رئاسة الحكومة هو الرئيس ميقاتي، والأطراف المعنية بتشكيل الحكومة كانت تدرك ذلك جيدا، حيث حاولت منذ البداية أن تضغط بهذا الاتجاه على الحريري والايحاء له بأن البديل حاضر في حال لم يخضع للشروط المطلوبة، لكن ميقاتي المنسجم مع نفسه، والعارف بخفايا الأمور وبالمخاطر التي تهدد البلد، ألغى الدور الذي كان يريده البعض له، فرفض بشكل قاطع أن يكون بمثابة “فزاعة” للحريري تجبره على تقديم التنازلات، أو أن يكون عنصر إبتزاز له، بل قلب هذا الدور رأسا على عقب، وسعى الى أن يكون كاسحة ألغام تحافط على موقع الرئاسة الثالثة، وتؤمن طريق الرئيس المكلف نحو تشكيل حكومة من دون أية ضغوطات، وتحمي البلد من الوقوع في ضرب التوازنات السياسية، وذلك بفعل إيمانه بضرورة دعم الرئيس المكلف تشكيل الحكومة أيا يكن هذا الرئيس، وحمايته من أية محاولات لمصادرة دوره أو الاعتداء على صلاحياته.
نجح ميقاتي بسلوكه السياسي الوسطي في بث أجواء الاطمئنان في بيت الوسط، فتناغم مع رؤساء الحكومات السابقين في حماية الرئيس المكلف، ورفع لواء الحفاظ على إتفاق الطائف، وعلى هيبة الموقع السني الأول، إنطلاقا من قناعته بأن شعور أي طائفة في لبنان بالغبن أو بالضعف، من شأنه أن يهدد الصيغة اللبنانية، وأن يفقد البلد عامل الاستقرار، وهذا طبعا ليس في مصلحة أي طرف من الأطراف، وقد أدى كل ذلك الى تحصين ساحة الرئيس المكلف وحماية ظهره، ما ساعده على مواجهة الصدمات والضغوط الكثيرة التي تعرض لها، وصولا الى التسوية الأخيرة التي تؤشر الى حل العقدة السنية وقرب ولادة الحكومة.
وقد توّج ميقاتي جهوده أمس بزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، لشكره على وقوفه الى جانب الرئيس المكلف، حيث بدا أن ثمة تناغم بين الرئيسين عون وميقاتي حول الحفاظ على موقع رئيس الحكومة وحضوره، فالأول يريد لعهده أن ينطلق بحكومة فاعلة مع رئيس حكومة قوي، والثاني يسعى الى تثبيت حق رئيس الحكومة في أن يمارس صلاحياته كاملة من دون نقصان.
يمكن القول إن الرئيس ميقاتي قدم خلال الفترة الماضية نموذجا عن رجل الدولة القوي الذي يقف على أرض صلبة بدعم شعبي كبير ترجمته الانتخابات النيابية الأخيرة، والمدافع عن المصلحة الوطنية العليا من خلال الحفاظ على صلاحيات الرئاسات وعلى تطبيق الدستور الذي يضمن حقوق الجميع، لذلك، فقد كان ميقاتي طيلة الفترة الماضية وما يزال عرضة للاستهداف تارة بالتهديد والوعيد، وتارة أخرى بمحاولة تشويه صورته، وبالرغم من أن الوقائع أنصفته وأثبتت عكس ذلك، فقد آثر ميقاتي عدم رد الاساءة باساءة مماثلة، بل تعامل مع هذا الضجيج بكثير من الكبرياء والرقي، مقدما مهمته الوطنية على ما عداها والتي كان لها أثرا إيجابيا على الصعد الدولية والاقليمية والمحلية.
مواضيع ذات صلة :
-
ميقاتي يُزعج الآخرين بصمته: الصورة قاتمة جدا… غسان ريفي
-
الحريري يسعى مع ميقاتي الى تفعيل مؤسسة رئاسة الحكومة… غسان ريفي
-
ميقاتي يدفع ثمن حماية الطائف.. وصلاحيات رئاسة الحكومة؟… غسان ريفي