يُصادف اليوم الإثنين مرور 200 يوم على تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة، بعد إستشارات نيابية ملزمة أجراها رئيس الجمهورية ميشال عون في 24 أيار الماضي لهذه الغاية حينذاك، لكن برغم كل هذه المدة الزمنية الطويلة فإن الدخان الابيض لم يخرج بعد من قصر بعبدا، إيذاناً بولادة الحكومة التي ما تزال متعثرة حتى الآن.
لكن أزمة تشكيل الحكومة التي بدأت بصراع بين المكونات السياسية في البلد حول الأحجام والحقائب، وترافقت مع عقد حول التمثيل فيها اصطلح على تسميتها بالعقدة المسيحية ومن ثم العقدة الدرزية وصولاً إلى العقدة السنّية، تحوّلت إلى أزمة سياسية عميقة ومفتوحة على كل الإحتمالات، وتنذر بأن الأيام المقبلة ستكون بالغة التعقيد والخطورة.
فعندما كُلّف الحريري تأليف الحكومة حاز على ثقة 111 نائب سمّوه لهذه المهمة، وهو عدد يعتبر بكل المقاييس كبيراً، ولم يسبق لأحد قبله أن ناله منذ نهاية الحرب الأهلية في عام 1990 واتفاق الطائف إلا قلة، ما يعكس الإجماع السياسي حول الحريري، برغم أنه وفريقه السّياسي 14 آذار تلقيا خسارة في الإنتخابات لمصلحة فريق 8 آذار، الذي حقق نتائج لافتة مكنته من تأمين أكثرية واضحة في مجلس النواب.
لكن هذه الثقة النيابية الواسعة التي وضعها الحريري في جيبه، شرع يفقدها تدريجاً، وبدأ بعد أكثر من ستة أشهر ونصف على تكليفه يخسر من سمّوه، وينفّضوا من حوله واحداً تلو الآخر، سواء كانوا من الحلفاء أو من الخصوم الذين حاولوا مدّ جسور ثقة بينهم وبينه، لكن مشاورات التأليف جعلت الحريري يبدو وكأنه يقف وحيداً في مواجهة الأزمة.
أبرز هؤلاء الحلفاء كانوا “رفاقه” في فريق 14 آذار، من القوات اللبنانية التي رأت أن الرئيس المكلف لم يدعمها بشكل كاف أو يقف عند خاطرها لحصولها على حصة وزارية تراها مناسبة لها كمّاً ونوعاً. والحزب التقدمي الإشتراكي أخذ مسافة بين الحريري وخصومه، وهو ما ظهر مؤخراً عندما دعا زعيم الإشتراكي وليد جنبلاط الحريري إلى توزير أحد النوّاب السنّة الستّة بهدف حلّ العقدة السنّية، وصولاً إلى حزب الكتائب الذي انفض عن جميع مكونات فريق 14 آذار وتوجّه ليكون معارضاً للحكومة في المجلس النيابي، بعدما وجد عدم جدّية من الحريري والثنائي المسيحي (القوات اللبنانية والتيار الوطني الحرّ) بتوزيره، بل وجد رغبة منهما في استبعاده عن الحكومة كليّاً.
ومع أن الحريري عقد مع التيار الوطني الحرّ، قبل سنتين، ″تسوية″ أفضت إلى انتخاب زعيم التيار البرتقالي ميشال عون رئيساً للجمهورية، وأن يكون الحريري رئيساً للحكومة طيلة عهد الجنرال في قصر بعبدا، فإن هذه التسوية بدأت بالإهتزاز، وهي تواجه خطر السقوط، بعدما أعلن عون نيته إرسال كتاب لمجلس النواب، يطالبه فيه بشكل أو بآخر بالضغط على الحريري للإسراع بتأليف الحكومة لأن التاخير بدأ يأكل من رصيد العهد، أو تنحي الحريري واعتذاره عن التأليف إفساحاً في المجال أمام تكليفه مجدداً أو تكليف سواه لهذه الغاية.
يدرك الحريري ان اياما صعبة تنتظره، وانه بعد تخلي حلفاءه عنه، فان خصومه في فريق 8 اذار لن يتنازلوا عن المكتسبات التي حققوها في الانتخابات النيابية الاخيرة، وجعلت الاكثرية النيابية في متناولهم، وهم يرون في ذلك فرصة ليس لانهاء هيمنة الحريري وفريقه السياسي 14 اذار على السلطة منذ عام 2005، بل لترجمة التحولات السياسية والعسكرية في المنطقة والتي تصب في خانتهم.
إزاء ذلك يجد الحريري نفسه أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما القبول بحكومة يقدم فيها تنازلات عديدة، وهو يُصرّح يومياً أنه لن يفعل لأنه تنازل كثيراً، أو التنحّي والإعتذار.
مواضيع ذات صلة:
-
الحكومة والعقدة السنّية: تأزيم وتصعيد وأفقٌ مسدود… عبد الكافي الصمد
-
هل يأخذ الحريري بنصائح جنبلاط؟… عبد الكافي الصمد
-
هل يطول إنتظار ولادة الحكومة حتى الربيع؟… عبد الكافي الصمد