لا شيء يدلّ على أن الأيام المتبقية من العام الجاري ستشهد ولادة الحكومة العتيدة، بعدما أوصدت كل أبواب الحل أمام سعاة الخير على قلتهم، وبعدما كشفت الأيام القليلة الماضية عمق الأزمة، وتباعد آراء ومواقف الأطراف المعنيين بتشكيل الحكومة، وتمسّك كل جهة بموقفها.
مناسبة عيد الإستقلال الـ75 كانت محطة كشفت حجم الإنقسام الداخلي ووقوف الجميع أمام حائط مسدود، لا يستطيعون القفز فوقه كما يرفضون العودة والإبتعاد عنه، لأن كل طرف بات يعتبر أي تراجع بمثابة إنكسار له، وسط غياب أي ملامح تسوية أو حل وسط.
فقد شهد حفل الإستقبال في قصر بعبدا الذي جرى بمناسبة عيد الإستقلال، يوم الخميس الماضي، بعد العرض العسكري، غياب أكثر من جهة سياسية رئيسية عن الحفل، أبرزها النائب السابق وليد جنبلاط ونواب كتلة اللقاء الديمقراطي، والنائب سليمان فرنجية وكتلة نواب المردة، وعضوي اللقاء التشاوري للنواب السنّة المستقلين النائبين جهاد الصمد وفيصل كرامي ورئيس مجلس النواب السابق حسين الحسيني، ما أفقد الحفل زخماً سياسياً هاماً، وأظهر حجم الإنقسام الداخلي الذي لم تفلح ذكرى اليوبيل الماسي للإستقلال (75 سنة) في رأب صدعه.
وإذ سُجّل على هامش الحفل سابقة مشاركة وزير (وزير الخارجية جبران باسيل) للرؤساء الثلاثة في استقبال المهنئين، في تطوّر لم يمرّ دون إبداء ملاحظات وانتقادات، فإن الخلوة التي عقدت على هامش الحفل بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري لم تفلح ببلورة مخرج للأزمة الحكومية، بعدما رفض الحريري إقتراح برّي عليه إستقبال النواب السنّة الستة المستقلين ومحاورتهم، كما حاور الآخرين أكثر من مرّة لمعالجة عقد تأليف الحكومة، وعدم إقفال أبواب الحوار.
إضافة إلى العقدة السنّية، فإنه لم تغب مسألة تمسك التيار الوطني الحرّ بحصوله على 11 وزيراً في الحكومة، وسط تساؤلات عن هدف رئيس التيار البرتقالي جبران باسيل بتمسكه بهذا العدد من الوزراء الذي يمكنه من مشاركة رئيس الحكومة السلطة، وهل أن هناك أجواء عدم ثقة بين باسيل وحليفه الإستراتيجي حزب الله، وحليفه الجديد تيار المستقبل؟.
ووسط تمسك النوّاب السنّة الستة بموقفهم المتمثل في حقهم بالمشاركة في حكومة الوحدة الوطنية، إنطلاقاً من نتائج الإنتخابات النيابية التي يرفضون أن يصادرها الحريري أو أن يقفز فوقها ويمنع عنهم المشاركة في الحكومة، فإن الأخير بدا رافضاً كل أشكال الوساطات في هذا الشأن إلى حدّ أنه أوحى بشكل غير مباشر رفضه استقبالهم، برغم أن النائب عبد الرحيم مراد، عضو اللقاء، إتصل مرتين بالسرايا الحكومي الكبير طالباً وزملائه موعداً من الحريري، لكن الجواب لم يأتهم بعد، ما يكشف أن رئيس الحكومة المُكلّف يحاول إبعاد الكرة عن ملعبه.
وإذ لم يعد خافياً أن الخارج لم يقل كلمته بعد في موضوع تأليف الحكومة، وأن كلمة السر لم تأت بسبب تضارب مصالح الدول الإقليمية والدولية المؤثرة في لبنان، وعلى رأسها إيران والسعودية والولايات المتحدة الأميركية، وعدم توافقهم على شكل الحكومة المقبلة، فإن بعض المعلومات ذهبت مؤخراً إلى حدود التوقع ببقاء الوضع الحكومي على حاله أشهراً مقبلة وليس أسابيع، وأن فترة الأعياد ونهاية العام الجاري لن تغيّر شيئاً في المشهد العام، وأن أي بصيص أمل قد يُسرّع في تأليف الحكومة لن يلوح في الأفق قبل نهاية شهر شباط المقبل.