لم تكن مجرد زلّة لسان أو هفوة بسيطة يمكن أن تمرّ مرور الكرام، تلك العبارة التي قالها مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار، يوم السبت الماضي، خلال لقائه وفداً يمثل الهيئات الثقافية في طرابلس جاءه مهنئاً بالتمديد له في منصبه، ذلك أن تناوله في اللقاء علاقته مع الرئيس الراحل عمر كرامي، أثارت في وجهه زوبعة واسعة من الإنتقادات لا يتوقع لها أن تنتهي قريباً.
أول غيث هذه الردود جاء عنيفاً جداً من الوزير السابق النائب فيصل كرامي، الذي اتهم الشعار بالكذب والإفتراء، والإساءة لموقعه، إضافة الى الحملة التي شنّت عليه من مناصري كرامي، ومن مشايخ وعلماء ورجال دين ومستقلين في المدينة على وسائل التواصل الإجتماعي، وأعطت إنطباعاً عن حجم الإستياء الذي تركه كلام الشعار في أغلب الأوساط الطرابلسية.
وإزاء ما تركه كلام الشعار في طرابلس، يمكن التوقف عند النقاط التالية:
أولاً: لم ينفع بيان الشعار التوضيحي حول أن الكلام المنسوب إليه لم يقله، وأنه كلام غير صحيح وغير دقيق، لأن أعضاء في وفد الهيئات الثقافية الذي التقاه الشعار، أكدوا أن المفتي قال الكلام المنقول عنه حرفياً، كما أن كلامه مسجل وموثق، وبالتالي فإن نكرانه لا يجدي نفعاً، بل هو يُعبّر عن مسعى الشعار للهروب من ورطة أوقع نفسه بها، بإرادته أو سهواً، بعدما رأى معارضوه ومناصروهم أنه لم يحفظ حرمة لا للموقع ولا للمفتي.
ثانياً: تعرّض الشعار لكرامي جاء بعد ثلاثة أيام من تمديد مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ولايته سنة وثلاثة أشهر تقريباً تمتد حتى نهاية العام المقبل، أي أن الشعار وبدلاً من أن يعمل لترطيب الأجواء بينه وبين المعترضين على التمديد له، والمطالبين بانتخاب خلف له، من أبرزهم الرئيس نجيب ميقاتي ووالوزير كرامي والنائب جهاد الصمد وأعضاء في المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى، عمد إلى إطلاق النار يمنة ويسرة والضرب خبط عشواء، ما جعل مراقبين كثر يرون أن الشعار سيمضي أياماً صعبة خلال فترة التمديد له، في ظلّ حصار سياسي سيشتد طوقه عليه في الأيام المقبلة، ووسط معاناة سياسية كان بغنى عنها.
ثالثاً: برّر الشعار وقوفه إلى جانب الرئيس سعد الحريري بأنه مبدئي، لأن المفتي يفترض به أن يقف بجانب رئيس الحكومة، كائناً من كان في المنصب. لكن هذا المعيار لم يطبقه الشعار منذ انتخابه في 27 كانون الثاني 2008، يوم كان آخرون في رئاسة الحكومة غير الحريري، كميقاتي والرئيسين فؤاد السنيورة وتمام سلام، وهو لم يقل “نحن كلنا معك يا دولة الرئيس” سوى للحريري، وبالتالي فإنه كان منحازاً لطرف دون آخر، ولم يكن على مسافة واحدة من الجميع كما يفرض عليه موقعه.
رابعا: كشف السجال المباشر بين كرامي والشعار، مواجهة غير مباشرة وبالواسطة بين كرامي، ومن خلفه النواب السنّة المستقلين خارج تيار المستقبل، والحريري، كان فيه الشعار رأس حربة زعيم التيار الأزرق في مواجهة خصومه داخل الطائفة السنّية، الذين يضغطون عليه من خلال تمسكهم بتمثيلهم في حكومة الوحدة الوطنية المرتقبة، وهي مواجهة ينتظر أن تستعر أكثر في المرحلة المقبلة في ضوء تمسك الطرفين بموقفيهما من تشكيل الحكومة، وهي مواجهة سيكون فيها الشعار في موقع لا يحسد عليه، لأنه بدلاً من أن يمضي فترة التمديد له بإصلاح علاقاته مع القوى السياسية السنّية الأخرى، إرتأى الإستمرار بوقوفه في خندق واحد إلى جانب الحريري، وجاعلاً من موقع الإفتاء ونفسه طرفاً بدلاً من أن يكونا حكماً وعنصراً جامعاً، مع ما يترتب على ذلك من تداعيات.