ما يزال سوق الذهب في مدينة طرابلس يحتفظ بمكانته وقدرته الكبيرة على جذب الزبائن بطبقاتهم وانتماءاتهم المناطقية المختلفة، على الرّغم من المشاكل والتحدّيات التي يُواجهها، لاستعادة دوره والحفاظ على هذا المعلم التاريخي الذي يحتاج الى إعادة صيانة مجددًا وإلى لفتة من مؤسسات الدولة المعنية.
هذا السوق الذي اكتسب شهرته كونه من الأسواق النادرة المتخصصة في بيع الذهب وصناعته في لبنان وربما الدول العربية، واجه الكثير من التحديات وأبرزها غياب الاهتمام به كمعلم أثري، ما دفع بكثير من التجار الى اللجوء الى نقل تجارتهم الى اسواق رديفة انشأت في مختلف مناطق طرابلس والشمال وبدأت تُشكّل منافسة لسوق الذهب.
السوق الذي أُنشئ منذ أكثر من 700 عام كمركز تجاريّ متطوّر كان يضمّ سابقا محلّات تجارية متنوّعة لا تقتصر على محلّات الذهب (كمحلّات الحلّاقين والخياطين)، واكب الكثير من التطوّرات التي لم تغيّر أو تؤثّر على شكله الخارجيّ، بل على دوره ووظائفه، إذْ بات اليوم بهوية واحدة تختصّ بصناعة، بيع وشراء الذهب والمجوهرات في أكثر من 100 محلّ متواجدين بالقرب من بعضهم البعض، ما يجعل هذا السوق متميّزًا ومختلفًا عن غيره من الأسواق مهما كانت تلك الأسواق متطوّرة ومُستحدثة.
وإضافة الى الموقع الاستراتيجي للسوق الذي يقع في قلب مدينة طرابلس الأثرية، هناك أمور عدة تجذب النّاس إليه، أبرزها الأسعار التنافسية ووجود بضاعة ذات جودة عالية يتهافت عليها الزبائن خصوصا المغتربين الذين يُشكّلون النّسبة الأكبر.
ليس خافيا على أحد أنّ الواقع الاقتصادي المتردّي الذي تُعاني منه طرابلس، أثّر بشكلٍ واضح على التجار من جهة، وعلى قدرة الزبائن الشرائية من جهة أخرى، لكن ذلك لم يمنع من إبقاء السوق معلما سياحيّا يساهم في إنعاش اقتصاد المدينة، وهو كما يقول نقيب صائغي طرابلس والشمال خالد النّمل ″الشريان الحيوي في لبنان، إذْ كانت تُشكّل صادرات لبنان من الذهب ما بين 60 إلى 70 في المئة″.
يُدرك النقيب النّمل الذي دخل إلى السوق عام 1960، التغيّرات الكبيرة التي يواجهها، إذْ يجد″ أنّ الأوضاع الاقتصادية كانت جيّدة جدًا في تلك الفترة، أمّا اليوم فهي تشهد تراجعًا كبيرًا، كما أنّ عدد الصائغين قد ازداد مع انخفاض عدد المعامل التي كانت تُصنّع وتبيع لبيروت، زحلة، صيدا… أمّا اليوم، فيوجد خمسة معامل تقريبًا يقتصر عملها على كلّ ما يوصي عليه الزبون، إضافة إلى تحوّل هذه المهنة من الصناعة اليدوية إلى الآلات، مع وجود عامل الاكتفاء الذاتي المناطقي الذي يُمكن أن يُغنيهم عن زيارة السوق في طرابلس″.
النقيب النّمل الذي افتتح محلّه عام 1980، تعلّم صناعة الذهب من الصائغ باسل يحيى ثمّ محمّد ميقاتي حتى أصبح أحد المعلّمين الماهرين في هذه المهنة، وصولًا إلى ترشحه عام 1999 لمنصب رئاسة نقابة صائغي ومجوهري طرابلس والشمال، ومنذ ذلك الوقت في كلّ سنتين تفوز لائحته.
وعن المشاكل التي يُعاني منها السوق، يقول النقيب النّمل: ″إن المشكلة الحقيقية التي يُعاني منها السوق والتي نحاول علاجها، تكمن في قيام بعض المحلّات بوضع موظفين أمام محلّاتهم لإقناع الزبون بالدخول إليها، وهي ظاهرة تُسيء لسمعة السوق وتُخسرنا من عدد رواده″.
وفي ما يخصّ دور النقابة التي أنشأت عام 1947، يقول النّمل: ″لقد قمنا بكلّ ما كان يتوجّب علينا من تحسينات كترميم السوق سنة 2000، مع رغبتنا إعادة صيانته مجدّدًا، وآخر إنجازاتنا الحدّ من ضعف الكهرباء في السوق عبر محطة كهربائية وذلك بالتعاون مع بلدية طرابلس وشركة قاديشا″.
ويضيف عن دور النّقابة: ″تضع النّقابة حدًّا لأيّ خلاف بين الزبون والصائغ، أمّا الخلافات التي نعجز عن حلّها فتتحوّل إلى القضاء، كما أنّها تنظم العمل في السوق في ظلّ حماية أمنية مُشدّدة″.
وعن عدد المنتسبين، يُشير النّمل ″أنّ عدد المنتسبين يصل إلى مئتين تقريبًا بين ذكور وإناث مشهود لهم بمصداقيتهم، مؤكّدًا أنّه يُرحّب في هذا السوق بالعنصر النّسائي بشكلٍ كبير مثل مارلين لطفي، ميادة يحيى، والدة جوزيف عبد النور…″.
ونظرًا لأهمّية سوق الذهب السياحية والاقتصادية، ورغبة المهتمين إدراج هذا السوق ضمن لائحة الدّولة السياحية، تفتح جريدة ″سفير الشمال″ ملفًا اقتصاديًا وسياحيًا للسوق، بمقابلات ستنشر تباعا مع عدد من الصائغين في السوق.