لا يختلف إثنان على أن صلاحيات رئيس الحكومة ليست بخير، وأن عدم قدرة بعض المتحمسين على تعديل إتفاق الطائف الذي يعطي رئيس الحكومة صلاحيات كاملة، من خلال النصوص، يتم اليوم تعديله بالممارسة أو بفرض بعض الأعراف، وهذا ما يؤكده أكثر من نائب وقيادي في التيار الوطني الحر تحديدا، وهذا ما يترجمه أيضا الوزير جبران باسيل في أكثر من محطة، وكان أخرها إعتدائه على صلاحيات الرئيس سعد الحريري، وإختزاله الحكومة بالقرار الذي إتخذه تجاه المفوضية العامة لشؤون اللاجئين، فضلا عن كثير من “الفاولات” التي إرتكبها لا سيما في مؤتمرات الطاقة الاغترابية والتي تصب جميعها بهذا الاتجاه.
هذا الواقع يفرض على الرئيس الحريري مهمة جديدة قد تكون أهم وأسمى من مهمة إنجاز تشكيل الحكومة، وهي الحفاظ على موقع رئيس الحكومة، وحماية صلاحياته وهيبته وحضوره، لأن ذلك لا يقتصر عليه شخصيا، بقدر ما يعني الموقع السني الأول في لبنان، كما يعني غيره من رؤساء الحكومات، خصوصا في ظل المحاولات الرامية من أكثر من طرف لمصادرة دوره في تشكيل الحكومة الجديدة، أو فرض عليه أسماء معينة ومن دون التشاور معه.
من المعروف وبحسب دستور الطائف، أن رئيس الحكومة هو من يضع سياستها ويترأس جلساتها، وهو من يتحدث باسمها، وأن رئيس الجمهورية يترأس هذه الجلسات عندما يحضر، وأن كل الوزراء من المفترض أن يعبروا عن هذه السياسة التي يمثلها رئيس الحكومة.
لا شك في أن ما يتعرض له رئيس الحكومة يستفز الطائفة السنية بكاملها، وفي مقدمتها رؤساء الحكومات السابقين الذين يسعون بشكل دائم الى تدعيم موقفه بالوقوف الى جانبه ومساندته، بالرغم من الخلاف السياسي، حيث أن الرئيس نجيب ميقاتي تجاوز هذه الخلافات مرات عدة حتى في أصعب الظروف، وبادر الى دعم موقف رئيس الحكومة، حيث بات ميقاتي بشهادة الجميع يشكل خط الدفاع الأول عن صلاحيات رئيس الحكومة، وهو ترجم ذلك في حكومته عندما إلتزم قبل الجميع بثوابت دار الفتوى، وحرص على التوازن القائم بين صلاحيات الرئاسات الثلاث، ولم يدع مجالا لأي كان بالتعدي على صلاحياته، وعندما حاول وزير الخارجية في حكومته عدنان منصور آنذاك أن يتفرد بموقف في جامعة الدول العربية، كان لميقاتي موقف واضح وصريح من خلال بيان أكد فيه أن ما قاله وزير الخارجية لا يلزم الحكومة ولا تتبناه، في وقت لم يتوان فيه تيار المستقبل عن السماح لمناصريه باقتحام السراي الحكومي وهو أمر لم يسئ الى ميقاتي فحسب، بقدر ما أساء الى الطائفة السنية والى مقام رئاسة الحكومة التي تمثلها.
لكن رغم ذلك، حرص ميقاتي على حماية الموظفين السنة الذين كان مطلوب رأسهم من قوى 8 آذار، كما بادر الى تمويل المحكمة الدولية لسنتين متتاليتين، وعندما تعرض الرئيس الحريري في حكومته الثانية لهجوم من المجتمع المدني خلال الاحتجاجات في وسط بيروت سارع الى الوقوف بجانبه وشد عضده، كما لم يتوان في المهرجان الانتخابي الأخير للائحة العزم وبالرغم من الحرب التي كانت مفتوحة عليه من الرئيس الحريري، الى رفض أي تعرض له، حيث أكد لجمهوره بأنه رئيس حكومة لبنان وممنوع التعرض له، داعيا إياهم الى التصفيق له.
كما حرص ميقاتي على تسمية الحريري لرئاسة الحكومة، لأن التكليف برأيه يجب أن يكون بأصوات مريحة ووازنة، وهو عبر عن جهوزيته لدعمه، وترجم ذلك خلال الاستشارات النيابية غير الملزمة عندما طلب تمثيل كتلة “الوسط المستقل” بوزير، تاركا للرئيس الحريري إختيار الحقيبة وإسم الوزير وطائفته من بين الأسماء التي طرحها عليه، وفي ذلك تجسيد لاحترام موقع وصلاحيات رئيس الحكومة المكلف.
من هنا يبدو واضحا أن الرئيس الحريري أحوج ما يكون اليوم الى الرئيس ميقاتي الذي يستطيع أن يشكل له رافعة سنية ودعما سياسيا، خصوصا أنه صاحب الرقم الأعلى في الأصوات التفضيلية السنية في لبنان، ولديه كتلة نيابية تضم نصف نواب مدينة طرابلس، فضلا عن أن ميقاتي يتحول الى مقاتل شرس إذا شعر أو وجد بأن هناك من يتجاوز رئاسة الحكومة أو يحاول النيل من صلاحياتها.
ربما تجتمع الطائفة السنية اليوم بكل أطيافها على ضرورة تحصين موقع رئاسة الحكومة، لكن الكرة اليوم في ملعب الرئيس الحريري الذي من المفترض أن يتحصن شخصيا ويُحصن موقعه برؤساء الحكومات السابقين بالدرجة الأولى، وأن يعتمد الحديث الشريف القائل “وأمرهم شورى بينهم”، وإلا فإن اللوم في المستقبل القريب ليس على من يمد يده على الصلاحيات، وإنما على الرئيس الحريري في حال لم يبادر الى القيام بكل ما من شأنه الحفاظ على هذه الصلاحيات.