لا يختلف إثنان على أن ″تيار المستقبل″ كان محقا في إصراره على جعل المنية والضنية وطرابلس دائرة إنتخابية واحدة في القانون الانتخابي النسبي مع الصوت التفضيلي الذي جرت الانتخابات على أساسه، وذلك إنطلاقا من علمه المسبق بأنه لا خبز سياسيا له في طرابلس في حال كانت دائرة إنتخابية بمفردها، والتي أظهرت الأرقام التي أفرزتها صناديق الاقتراع فيها، أن ″المستقبل″ هو القوة السياسية الثالثة في طرابلس بعد الرئيس نجيب ميقاتي الذي حل في المرتبة الأولى من دون منازع برقم قياسي وصل الى 21300 صوتا، والوزير محمد كبارة الذي حل ثانيا وحصل على 9600 صوتا.
من المفترض أن يدرك ″تيار المستقبل″ بأن ″الزمن الأول قد تحوّل″، وأن ما كان يستطيع ″التيار الأزرق″ أن يفعله على الصعيد الانتخابي في عامي 2005 و2009 قد تبدل وتغيّر، وأنه لم يعد قادرا على إيصال من يريد الى الندوة البرلمانية، بعدما أيقن ان شعبيته الطرابلسية قد تراجعت كثيرا، وأنه يحتاج الى الدعم الاستراتيجي من الضنية والمنية ومن بعض الحلفاء ليتمكن من الحفاظ على بعض مقاعده.
يمكن القول أن الرئيس نجيب ميقاتي إنتظر تسع سنوات ليرد الصاع صاعين لـ″تيار المستقبل″ وليؤكد للقاصي والداني بأن تحالفه معه في العام 2009 قد ساهم بدعمه وبانجاح لائحته، وذلك على عكس ما حاول ″المستقبل″ إظهاره في العام 2011 عندما كُلف ميقاتي برئاسة الحكومة، بأنه لولا الدعم الأزرق له، لما دخل الى المجلس النيابي.
في الوقت الذي أثبت فيه ميقاتي بأنه السني الأول في طرابلس وفي لبنان بعد نيله أكبر عدد من الأصوات بين المرشحين السنة على مساحة الوطن، تبين أن ″تيار المستقبل″ لم يعد قادرا على خوض الانتخابات في طرابلس من دون ما تبقى له من المخزون الشعبي في الضنية والمنية ومن دون دعم حليفه الوزير محمد كبارة الذي أعطى دفعا للحاصل الانتخابي بأكثر من تسعة آلاف صوت، وكذلك حليفه العائد الى الحضن الأزرق محمد الصفدي الذي سخّر ماكينته بكل إمكاناتها المالية والبشرية واللوجستية من أجل دعمه ورفع حاصله، ورغم كل هذا الدعم، مشفوعا بتدخل السلطة وأجهزتها الأمنية والادارية، وإعتماد سياسة الترهيب والترغيب مع الناخبين والمرشحين، ومصادرة مرشح العزم في الضنية جهاد يوسف قبل ساعات قليلة من فتح صناديق الاقتراع، حصد ″المستقبل″ نائبين في طرابلس، مقابل أربعة نواب للرئيس ميقاتي، ليتعادل معه في الدائرة الثانية بعد فوز مرشحيه سامي فتفت وعثمان علم الدين.
أمام هذا الواقع يبدو واضحا أنه لولا دعم الوزير كبارة للمستقبل، وكذلك وضع النائب الصفدي ماكينته بتصرفه، لاكتفى التيار الأزرق بمقعدين فقط في المنية والضنية، أو في الضنية وطرابلس.
هذا الأمر إنسحب أيضا على عكار التي تعاطى معها ″تيار المستقبل″ بذكاء، لعلمه المسبق بأنه غير قادر على المواجهة بمفرده، فتحالف بداية مع ″القوات اللبنانية″ الأكثر قبولا في الشارع السني من “التيار الوطني الحر” الذي غدر ″المستقبل″ به ما إضطره الى تشكيل لائحة بمفرده، كما لجأ الى المرشحيّن الأقوى في 8 آذار، وهما وليد البعريني المقرب مع والده النائب السابق وجيه البعريني من سوريا وحزب الله، ومحمد سليمان الذي يحمل الجنسية السورية، وهما لم يكونا في يوم من الأيام ضمن ″تيار المستقبل″، ولا يمتان إليه بصلة، بل كانا على نقيض واضح معه، لكن ″المستقبل″ سارع الى إلباسهما ″العباءة الزرقاء″ للاستفادة من أصواتهما.
وفي قراءة سريعة للأرقام فقد أعطى المرشحان البعريني وسليمان منفردين 35337 صوتا الى “تيار المستقبل” يضاف إليهما 7911 صوتا من ″القوات اللبنانية″، ليصبح العدد 43248 صوتا، ورغم ذلك فقد خسر ″المستقبل″ نائبين في عكار حيث فاز بخمسة مقاعد من أصل سبعة كان يشغلهم منذ إنتخابات 2009، ما يؤكد أنه لولا لجوء “المستقبل” الى أصوات القوات والمستقبليين الجدد الذين كانوا محسوبين على قوى 8 آذار، لما تمكن من الحصول على أكثر من مقعدين نيابيين من أصل سبعة.
كل ذلك يكشف أن ″المستقبل″ لم يتراجع عدد نوابه في الدائرتين الأولى والثانية بسبب القانون النسبي والصوت التفضيلي فقط، بل بسبب تراجع شعبيته بشكل كبير، ما دفعه الى التخلي عن كثير من الشعارات للحفاظ على ماء وجهه السياسي في طرابلس وعكار.
مواضيع ذات صلة :
-
طرابلس تنتخب على وقع الشائعات… غسان ريفي
-
من الأفضل لطرابلس.. ميقاتي أم الحريري؟… غسان ريفي
-
ميقاتي يتفوّق على الحريري سنيا وسياسيا وخدماتيا… غسان ريفي