قلبت نتائج الانتخابات النيابية المشهد السياسي في طرابلس رأسا على عقب، حيث توّج أبناء الفيحاء الرئيس نجيب ميقاتي زعيما سنيا بمنحه أكبر عدد من الأصوات التفضيلية (نحو 21 ألف صوت)، وهو رقم لم يتمكن أي مرشح سني بدءا من رئيس الحكومة سعد الحريري الى سائر المرشحين من الحصول عليه أو مقاربته، الأمر الذي كرّس الرئيس ميقاتي السني الأول في لبنان إنتخابيا، والسني الأول في طرابلس بما تمثله من عمق سني ووطني، خصوصا أن ميقاتي عاد الى المجلس النيابي بكتلة مؤلفة من أربعة نواب تضمه الى جانب الماروني جان عبيد الذي يعود لممارسة عمله التشريعي بعد 13 عاما من الانقطاع، والأرثوذكسي نقولا نحاس، والعلوي علي درويش، ما يجعل هذه الكتلة ضمانة لحماية نسيج المدينة الاجتماعي وتأكيد تنوعها وإنفتاحها تحت رعاية السني الأقوى.
في المقابل حصلت لائحة “الخرزة الزرقاء” على ثلاثة مقاعد في طرابلس، إثنان منهم لـ “تيار المستقبل” هما سمير الجسر وديما جمالي، إضافة الى وزير العمل محمد كبارة الذي خاض الانتخابات بالتحالف مع المستقبل، وتعرض لحملة ظالمة من مرشحيه ومن ماكينته الإنتخابية ما دفعه الى تشكيل ماكينته المستقلة التي طغت بحضورها على الماكينة الزرقاء، وأثبت من خلالها كبارة أنه رقم صعب حيث تفوق بالأصوات على الجسر، وشكل رافعة شعبية للائحة ساهمت في فوز الجسر وجمالي.
أما الوزير السابق فيصل كرامي فأثبت حضوره السياسي الوازن في طرابلس، وإنطلق رسميا في إستكمال مسيرة والده الراحل الرئيس عمر كرامي الذي يحمل أمانته منذ وفاته في اليوم الأول من العام 2016، ومن المفترض أن يعزز دخوله الى مجلس النواب التنوع السياسي في طرابلس، وأن يعطي دفعا في دعم القيادة الطرابلسية في إسترجاع قرار المدينة، ورفع الوصاية السياسية عنها، في حين كانت المفاجأة المدوية في طرابلس هي خسارة الوزير السابق اللواء أشرف ريفي وكل لائحة لبنان السيادة.
يمكن القول أن الانتخابات أعطت الأكثرية النيابية الطرابلسية الى الرئيس نجيب ميقاتي (4 مقاعد من أصل 8 أي نصف عدد النواب)، مقابل مقعدين للمستقبل، ومقعد لكل من كبارة وكرامي، فضلا عن حصول ميقاتي على الشرعية السنية الكاملة كونه حصل على عدد أصوات يفوق عدد الأصوات الذي حصل عليه مرشحو المستقبل كبارة والجسر وجمالي مجتمعين، ليتحول إبن العزم” من خلال كتلته النيابية الى شريك أساسي على لم يعد بمقدور أي كان تجاوزه في أي تركيبة سياسية أو وطنية في البلد.
لا يختلف إثنان على أن معركة الرئيس ميقاتي في طرابلس لم تكن مجرد نزهة، بل كانت من أصعب المعارك التي يمكن أن يخوضها أي مرشح أو رئيس لائحة في لبنان، حيث لم يكن يحظى بأي دعم إنتخابي أو سياسي داخلي أو خارجي، بل إعتمد على قواه السياسية الذاتية، في مواجهة ضغوط السلطة أمنيا وإداريا، خلال فترة التحضير للانتخابات لجهة ترهيب مناصريه والتضييق عليهم وسعي رأس الأمانة العامة لتيار المستقبل أحمد الحريري الى شق صفوفهم وإستمالتهم نحو تياره، مرورا بليلة الانتخابات عندما نسج رئيس الحكومة سعد الحريري مكيدة لم يشهد لبنان مثيلا لها من قبل، عندما دفع المرشح جهاد يوسف الى “خيانة” لائحة العزم والانسحاب منها وتفكيك ماكينتها الانتخابية في جرد الضنية ما أدى الى خسارة اللائحة كتلة من الأصوات كانت قادرة على منحها مقعدا خامسا من خلال زيادة الحاصل الانتخابي، وصولا الى اليوم الانتخابي حيث تعرض مندوبو العزم لشتى أنواع التضييق، فضلا عن قيام بعض المسؤولين عن مراكز الاقتراع بحرمان الناخبين من الدخول الى المراكز ما دفع كثير منهم للعودة الى منازلهم قبل أن يتدخل مسؤولون في ماكينة العزم لوضع حد لهذه التجاوزات، بما في ذلك شكوى المندوبين من وصول عدد كبير من الصناديق الى لجان القيد غير مختومة بالشمع الأحمر كما يقتضي القانون.
كل ذلك، نجح ميقاتي في تجاوزه وفي تحقيق إنتصار كبير، ستكون أولى بوادره تشكيل قيادة سياسية طرابلسية شمالية ستفتح ذراعيها لكل من يحمل همّ هذه المنطقة على المستوى المحلي، وستتعاون مع كل من يسعى الى مواجهة الهدر والفساد والسمسرات والصفقات على المستوى الوطني.