لا يختلف إثنان على أن السبب الأساسي لحرمان طرابلس وإهمالها وتراجع قطاعاتها، وتنامي أزماتها الاجتماعية والانسانية، لا سيما فيما يتعلق بالفقر والبطالة والتسرب المدرسي هو خروج قرارها السياسي من أيدي أبنائها قبل نحو ربع قرن، الى تيار سياسي مركزي لا يضع مدينة العلم والعلماء في سلم أولوياته.
منذ ذلك التاريخ لم يعد لطرابلس قيادة سياسية ترفع الصوت لانتزاع حقوق عاصمة الشمال، بل إن أكثرية نواب طرابلس إلتحقت بركب الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي تسلم رئاسة الحكومة، ولم يكن يجرؤ أحد من نواب المدينة على مطالبته بانصاف طرابلس أو بالضغط عليه لتفعيل مرافقها الحيوية التي بقيت شاهدا على الحرمان.
إستمر الوضع على ما هو عليه، إنماء وإعمار في كل المناطق اللبنانية، وإهمال وتهميش في طرابلس التي بدأ يتناقص عدد موظفيها من الفئة الأولى في الدولة تباعا، لمصلحة مناطق أخرى، علما أن طرابلس كان لديها أكثر من 21 مديرا عاما وموظفا فئة أولى في الادارة اللبنانية، لكن هذا العدد تلاشى نتيجة عدم وجود قيادة سياسية تحمي وتدافع.
إستشهد رفيق الحريري، وخلفه نجله سعد الحريري، وخاص أول إنتخابات نيابية تحت إشراف حكومة برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي الذي آثر عدم الترشح للانتخابات مع أي من وزرائه، فخسر مقعدا نيابيا لكنه ربح ثقة العالم بأسره الذي تعاطى معه كرجل دولة.
حصد الحريري كل المقاعد النيابية في طرابلس التي أعطته كل الولاء، فكان رد الجميل بمزيد من التهميش ومصادرة قرار المدينة وإستخدام أهلها كأرقام في ساحات 14 شباط و14 آذار، وكعناصر ضمن “أفواج طرابلس” التي أسسها تيار المستقبل لتأديب كل من هو خارج عن وصايته السياسية، ثم إستخدمت في أحداث 7 أيار في بيروت وأخفق عناصرها في الدفاع عن أنفسهم، لينفرط عقدها بعد ذلك، وليتم إستخدام ما تبقى من شبابها في جولات عنف بدأت بين التبانة وجبل محسن، ردا على أحداث 7 أيار، وإنتقاما من أتباع النظام السوري الذي قتل الرئيس الحريري.
أجريت الانتخابات النيابية مجددا في العام 2009، وأبصرت كتلة التضامن الطرابلسي النور وكانت مؤلفة من أكثرية مستقبلية، باستثناء الرئيس نجيب ميقاتي والنائب أحمد كرامي، وتسلم الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة، وسرعان ما باع نضالات طرابلس وذهب الى سوريا وجال مع الرئيس السوري بشار الأسد في شوارع دمشق، ونام في قصر تشرين الرئاسي، وطرابلس التي كانت شريكة في الغرم، لم ينلها أي شيء من الغنم الذي حققه الحريري بوصوله الى الحكم.
إستقال وزراء 8 آذار الذين كان الحريري منحهم الثلث المعطل في تسوية الدوحة بالرغم من أن ذلك يسيء الى هيبة رئاسة الحكومة، وكاد البلد أن يلتحق بركب البركان المشتعل في المنطقة، فتقدم ميقاتي ليمسك كرة النار ويحمي لبنان من حرب أهلية، لكن الحريري رفض أن تكون طرابلس في الحكم، وقال قياديون في تيار المستقبل: ″لن ندع ميقاتي يرتاح يوما واحدا في مدينته″، فكان يوم الغضب وجولات العنف التي دمرت وشوّهت صورة المدينة وأدت الى إنهيار إقتصادها وإفلاس مؤسساتها، الى أن جاءت الخطة الأمنية التي إقتصرت على العسكرة ولم تأت بالانماء بالرغم من وعد الحكومة بذلك.
في جولته الانتخابية الأخيرة بدا أن الحريري بلغ فيه التهاون بطرابلس الى الذورة، عندما لم يكلف نفسه عناء حتى إطلاق الوعود بل قدم وعدا واحدا وهو أن يأخذ ″سيلفي″ مع أبناء المدينة.
أمام هذا الواقع يطل الرئيس نجيب ميقاتي بعد ثلاثين عاما من العمل الاجتماعي والانساني والانمائي والصحي والتربوي والرياضي والاستثماري والنشاط المضني لمؤسساته في شهر رمضان المبارك، إضافة الى حضوره السياسي الوازن وطنيا ودوليا، ليقدم الحل لأبناء طرابلس عبر لائحة العزم التي تطرح شعار إيجاد قيادة سياسية، وإستعادة قرار طرابلس، وتشكيل كتلة نيابية وازنة تستطيع إستعادة الحقوق والتشريع لمصلحة مرافق المدينة.
وهنا يأتي دور الطرابلسيين يوم الأحد في إختيار بين نهجين، نهج الرئيس الحريري الذي يمعن في حرمان طرابلس وتهميشها وعدم الوفاء بالوعود التي اطلقها، فضلا عن إغلاقه كل مكاتب الخدمات والمستوصفات منذ تسع سنوات، وبين نهج الرئيس ميقاتي الذي يعتمد سياسة الأبواب المفتوحة، ويدافع عن مدينته ويقدم الخدمات لأهلها على كل صعيد ويقوم مقام الدولة في كثير من المجالات.
يقول أحد القياديين المطلعين: إن الرئيس الحريري ليس من طرابلس، بل هو من صيدا ومرشح في بيروت، وهو طارئ على المدينة التي لها خصوصية ورمزية تتجاوز عائلة الحريري، خصوصا أن كل الوقائع السابقة تشير الى أن طرابلس لا تعنيه ولا يضعها في أولوياته، في حين أن الرئيس ميقاتي هو إبن طرابلس ويعيش همومها ويعرف أهلها ويقف الى جانبهم، ويقدم لهم الخدمات، ويحمل مدينته في قلبه وعقله وضميره، ويسعى الى إعادتها رأسا في المعادلة السياسية الوطنية
ويضيف القيادي: مع إحترامي الشديد للرئيس الحريري، فإن طرابلس بحاجة الى من يخدمها لا الى من يستخدمها، والى من يحارب من أجلها لا لمن يحارب بها، وبما أن الرئيس ميقاتي هو المعني الأول بطرابلس، فإنه حتما الأفضل لها.
مواضيع ذات صلة:
-
ميقاتي يعطي الحريري درسا في أدبيات السياسة
-
حزب الله يفضّل الحريري على ميقاتي… غسان ريفي
-
أين السلطة الحاكمة.. من حكومة الرئيس ميقاتي في إنتخابات 2005؟… غسان ريفي