تتخذ الانتخابات النيابية في جبل محسن هذه المرة طابعاً مختلفاً عن سابقاتها، حيث تحولت الى متنفس ديموقراطي لأهالي المنطقة، تجسد بوجود أعداد كبيرة من المرشحين على اختلاف انتماءاتهم السياسية، في مشهد يمثل ردة فعل واضحة على ″التوافق″ السياسي بشقيه المحلي والاقليمي الذي كان يفرض على أبناء المنطقة ممثلا لهم في البرلمان.
لطالما كانت كتلة الأصوات العلوية في دائرة طرابلس تحتسب من حصة ″البلوك″ السوري، نظراً للعلاقة التاريخية التي تربط الحزب العربي الديمقراطي بالقيادة السورية، وهو ما كان ″يحظر″ على الكثيرين من الطامحين في المنطقة الى الترشح عن الاقدام على مثل هكذا خطوة، قبل العام 2005، التي شكلت منعطفا ″سلبيا″ على ابناء جبل محسن بسبب الازمة السياسية والامنية على خلفية استشهاد الرئيس رفيق الحريري، وبسبب قانون الانتخاب الاكثري، الذي استغله “تيار المستقبل” في ايصال مرشحه النائب الراحل بدر ونوس الذي حصد عشرات آلاف الأصوات من بينهم نحو مئتي صوتا علويا فقط من أصل 8400 شاركوا في الانتخابات.
يمكن القول ان الطائفة العلوية في طرابلس لم تتمثل سياسيا على الصعيد النيابي سوى مرتين ومن دون انتخابات، المرة الاولى في العام 1991 عندما تم تعيين الامين العام للحزب العربي الديموقراطي النائب الراحل علي عيد نائبا عن طرابلس، بعد اتفاق الطائف الذي اعطى العلويين مقعدين نيابيين في طرابلس وفي عكار، والمرة الثانية عندما فاز النائب عيد بالتزكية بعد دخوله في العام 1992 لائحة ″السعادة″.
أما في العملية الديموقراطية في انتخابات عام 1996 فقد حصد المرشح العلوي احمد حبوس 123 الف صوتا على حساب منافسه علي عيد، وأعيدت الكرّة في انتخابات العام 2000 وجدد للنائب حبوس بـ 97 الف صوت، قبل ان يختار تيار المستقبل النائب بدر ونوس في عامي 2005 و 2009.
اليوم وفي ظل القانون الانتخابي الجديد وبعد مغادرة مسؤول العلاقات السياسية في الحزب رفعت عيد المنطقة الى سوريا بعد تطبيق الخطة الامنية في طرابلس، يشهد الجبل طفرة في عدد المرشحين من مختلف المشارب السياسية والطبقات الاجتماعية، يرافقه انفتاح غير مسبوق على معظم المكونات السياسية في طرابلس ولبنان، حيث يسعى كل من هؤلاء الى إيجاد موطىء قدم له، يحصد من خلاله أصوات ″العلويين″ الذين يأملون ان تكون هذه الانتخابات فرصة لايصال مرشح بأصواتهم، في حال جرت الامور من دون تدخلات خارجية او داخلية تعيد ″مصادرة″ هذا الصوت، خصوصا ان كل الاستطلاعات سابقا كانت تشير الى ان 75% من هؤلاء الناخبين يلتزمون بالقرار السوري الذي يبلغ مباشرة الى قيادة الحزب العربي الديموقراطي، وان 25% هم من المزاج العلوي العام ويقطنون خارج جبل محسن.
لا يمكن التهكن اليوم بعدد الملتزمين بـ″القرار السوري″، كما لا يوجد حتى الساعة اصطفاف واضح خلف مرشح من بين الاسماء المتدولة، كما لم يعرف موقف الحزب العربي الديمقراطي حول ما اذا كان سيشارك في اسم مرشح له او سيدعم احد المرشحين، لكن من المؤكد ان المنطقة تعيش اجواء من التنافس قل نظيره، وهو يتوقع له ان يزداد سخونة مع اعلان اللوائح عن اسماء مرشحيها، وربما هذا ما دفع المختار السابق عبد الطيف صالح الى الدعوة للقاء جامع لابناء المنطقة لتدارس اسماء المرشحين والتوافق على اختيار الانسب ودعمه وايصاله ليصار بعدها الى محاسبته على تقصيره، حيث ارتفعت بعض اللافتات في المنطقة كتب عليها ″نحن مناطقيون ولسنا طائفيون، بدنا نائب من سكان جبل محسن″، ″القضية الحقيقية هي وجع الفقراء والمحرومين″.
ياتي هذا الحرك الداعي الى توحيد الموقف والصوت، في وقت بدات فيه ملامح التحالفات تظهر على الارض، حيث بات محسوما، اسم المرشح بدر عيد على لائحة الوزير السابق اشرف ريفي، وهو رجل اعمال مغترب، يقيم في اميركا، وكان شقيقه محمد ترشح للانتخابات البلدية وقبلها للانتخابات النيابية في مواجهة ابن عمه النائب الراحل علي عيد، قبل ان ينسحب لاعتبارات عديدة حينها.
في حين يتردد إسم المرشحين بسام ونوس وليلى شحود على لائحة المستقبل، وعلي درويش على لائحة العزم، وحافظ ديب على لائحة المجتمع المدني، فيما يتضح بعد الاسم الذي سيحظى بمباركة الحزب العربي الديمقراطي.
كل ذلك يشير الى منافسة علوية حادة قد تاتي نتائجها بمتغيرات على هوية المنطقة سياسيا، في حال حملت الاصوات العلوية المستقلة مرشحها الى سدة البرلمان، خصوصا في حال بقيت ″الشيفرة السورية″ غير واضحة.