تنام طرابلس على حرمان، وتستفيق على إهمال، بإنتظار أن يأتي زمن تتحمل فيه الدولة مسؤوليتها تجاه عاصمتها الثانية وتجاه مرافقها الحيوية الأساسية.
يُدرك الطرابلسيون أن الرئيس سعد الحريري سيحاول إستمالتهم خلال وقت قريب بعقد جلسة لمجلس الوزراء في مدينتهم يطلق من خلالها وعودا كثيرة بتنفيذ مشاريع مختلفة، وذلك من أجل تعويم تياره الأزرق شعبيا، لكن تلك المشاريع حتما لن تبصر النور قبل الانتخابات، ولا شيء يؤكد تنفيذها بعد الانتخابات، خصوصا أن الطرابلسيين كانت لهم تجربة مرة مع الرئيس فؤاد السنيورة قبل إنتخابات العام 2009، عندما قام بزيارة “إنمائية” وضع فيها الحجر الأساس لأوتوستراد طرابلس ـ البداوي الذي لم ينته العمل فيه حتى الآن، كما دشن محطة التكرير قبل أن تصل إليها المياه المبتذلة، والتي ما لبثت أن تحولت الى خردة.
كثيرة هي المتغيرات السياسية في طرابلس عشية إنتخابات أيار 2018، فالرئيس نجيب ميقاتي بات أكبر قوة شعبية في المدينة، بعدما ثبت بالوجه الشرعي أن خياراته السياسية التي شن خصومه حربا شعواء عليها، تحولت الى خشبة خلاص للرئيس سعد الحريري لا سيما شعار ″النأي بالنفس″ الذي أصبح ضرورة وطنية، إضافة الى وسطيته، وممارسته السياسية التي حافظت على الطائفة وعلى مواقعها، فضلا عن خدماته وتقديماته الأفقية في كل المجالات والتي لم تتوقف، وكذلك مؤسساته التي لم تغلق أبوابها بوجه أحد منذ إفتتاحها.
ومن هذه المتغيرات أيضا، أن تيار المستقبل إستدار من التحريض على حزب الله والتيار الوطني الحر الى التعاون مع الأول والتحالف الوثيق مع الثاني، وهو إستبدل شعارات: السلاح وولاية الفقيه والمحكمة الدولية، بشعارات: النأي بالنفس والحفاظ على الاستقرار وحماية الاقتصاد، كما أقفل حنفية المساعدات والتقديمات بفعل أزمة الرئيس سعد الحريري المالية، وتشير كل الاحصاءات الى تراجع في شعبية التيار الأزرق، من شأنه أن ينعكس عليه سلبا في الاستحقاق الانتخابي لا سيما في ظل الصوت التفضيلي الذي يشكل أزمة كبيرة لمرشحيه.
خلال السنوات الماضية، شهدت طرابلس خلع اللواء أشرف ريفي للبدلة العسكرية، وإرتدائه “البدلة السياسية”، وخروجه من تحت العباءة الحريرية، ومن ثم الانقلاب عليها، ليتحول الى أعتى خصوم الرئيس الحريري الذي تشير المعلومات الى أنه يعمل بكل ما أوتي من سلطة وقوة وإمكانات لمواجهته وإسقاطه في الانتخابات المقبلة.
وكذلك دخل فيصل كرامي المعترك السياسي حاملا أمانة والده الراحل الرئيس عمر كرامي، واضعا نصب عينيه الحفاظ على القاعدة الشعبية الكرامية، وإستكمال المسيرة السياسية لعائلته.
وشهدت طرابلس أيضا، عودة المياه الى مجاريها بين النائب محمد الصفدي والرئيس سعد الحريري، وتحول مصباح الأحدب الى خصم سياسي لتيار المستقبل، ولحكومة الحريري، إضافة الى إستقالة روبير فاضل من مقعده النيابي، ووفاة النائب بدر ونوس، ليصبح في طرابلس مقعدين شاغرين هما الأرثوذكسي والعلوي.
في ظل كل هذه المتغيرات، تستعد الأطراف السياسية في طرابلس لخوض واحدة من أشرس المعارك الانتخابية في 6 أيار المقبل، وفق قاعدة أكون أو لا أكون، خصوصا في ظل قانون إنتخابي ″عجائبي″ يفرق الحلفاء قبل الخصوم، ويعتمد مقولة ″يا رب نفسي″ الأمر الذي يجعل الوضع الانتخابي في طرابلس ″كالنار تحت الرماد″.
ما هي المؤشرات الانتخابية في طرابلس اليوم؟
تشير المعطيات حتى الآن، الى أن لا تحالفات سياسية بين الأقطاب الطرابلسيين في الانتخابات المقبلة، فتيار المستقبل الذي حسم تحالفه الانتخابي مع التيار الوطني الحر باشر في إعداد لائحته التي من المفترض أن تضم الوزير محمد كبارة والنائب سمير الجسر، والدكتور مصطفى علوش، إضافة الى النقيب فهد المقدم، أو وليد معن كرامي، أو غنى مواس، أو هيثم مبيض، مع الأخذ بعين الاعتبار موقف النائب محمد الصفدي الذي سيحل ضمن هذه اللائحة في حال قرر أن يترشح ما سيرفع من منسوب المنافسة فيها على الصوت التفضيلي، وتشير مصادر مقربة من الصفدي الى أنه لم يحسم خياراته بعد، لكنه أعطى توجيهاته باطلاق عمل الماكينة الانتخابية التابعة له.
ونظرا لتحالف المستقبل مع التيار الوطني الحر، فإن المقعد الماروني سيؤول الى مستشار وزير الطاقة طوني ماروني، بينما سيكون المقعد الأرثوذكسي من نصيب أنطوان حبيب الذي يشكل تقاطعا بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، علما أن لقاء عقد مؤخرا بين النقيب نعمة محفوض وبين قيادة المستقبل، أما المقعد العلوي فسيشغله بسام ونوس أو ليلى شحود.
ويعكف اللواء أشرف ريفي على تشكيل لائحته التي بدأت تظهر نواتها التي تضمه مع المهندسين وليد قمر الدين وعبد المنعم علم الدين، وأحد القضاة السنة المتقاعدين، إضافة الى دونالد العبد (رجل أعمال من مزيارة) للمقعد الماروني، وبدر عيد للمقعد العلوي، وربما مايا حبيب للمقعد الأرثوذكسي حيث ما يزال الأمر خاضعا للبحث ضمن العائلة.
من جهته ما يزال الرئيس نجيب ميقاتي يدرس خياراته الطرابلسية بعناية، والثابت حتى الآن هو تحالفه مع الوزير السابق جان عبيد (عن المقعد الماروني) بانتظار أن تتبلور باقي الأسماء من خلال الاتصالات التي يجريها مع جهات مختلفة.
وثمة خياران أمام الرئيس ميقاتي، فإما أن يخوض المعركة الانتخابية بمفرده وبلائحة خاصة، أو بالتحالف مع الوزير السابق فيصل كرامي الذي يقول لـ″سفير الشمال″: أنا والرئيس ميقاتي على تفاهم تام، وقد خدمت معه في حكومته وكانت تجربة ناجحة جدا، ونحن ندرس خياراتنا والأفضل بالنسبة لنا، ولن أختلف مع الرئيس ميقاتي سواء كنا في لائحة واحدة أو في لائحتين منفصلتين، ونحن في كل الأحوال أخوة.
أما الجماعة الاسلامية التي رشحت في طرابلس إبن بلدة القلمون الدكتور وسيم علوان، فالخيارات ما تزال مفتوحة أمامها بالتحالف مع أي من القيادات الطرابلسية، أو تشكيل لائحة ذات طابع إسلامي وعندها سيكون أمامها معضلتين أساسيتين الأولى تأمين الحاصل الانتخابي، والثانية تأمين نجاح مرشحها من بين أعضاء اللائحة.
ولن يكون النائب السابق مصباح الأحدب بمنأى عن الحراك الانتخابي، وهو إما أن يتحالف مع المجتمع المدني، أو أن يشكل لائحة من وجوه شبابية، علما أنه سيكون في طرابلس لائحتان للمجتمع المدني الأولى محلية طرابلسية والثانية مرتبطة مع الحراك المدني في بيروت، ما سيرفع من عدد اللوائح ومن حدة المنافسة.