تزامنا مع زيارة وفد من السفارة الفنلندية الى بلدية برج العرب للبحث والقيام بمشاريع تنموية في المنطقة، كان الأهالي يصرخون من المشهد البائس والمؤلم الذي إستفاقوا عليه نتيجة تراكم أطنان من النفايات في مجرى قناة ري البارد.
وبالرغم من فظاعة المشهد، الا أنه يبدو مألوفا بالنسبة لبلديات المنطقة التي لم تعمد لايجاد حلول للأزمة المستفحلة منذ سنوات، بل على العكس، فقد عاثت فسادا في هدر المال العام على مدار دورتين انتخابيتين.
واللافت أن رئيس البلدية عارف شخيدم بحث مع الوفد شراكة خدماتية وانسانية، وأثنى على الجهود التي من شأنها تعزيز ورفع مستوى الانماء في عكار!.
عن أي إنماء يتحدثون، (يقول الأهالي) إذ أن ″الثابت أن هذه البلديات وغيرها من بلديات عكار لو أرادت القيام بـ 10 في المئة من واجباتها تجاه المواطنين لما كانت عكار وصلت الى هذه المرحلة من الفوضى والتلوث الذي يجتاح مختلف القرى وتحديدا الساحلية منها والتي تحولت الى بؤر للتلوث والموت″.
سبق أن نفذ أهالي برج العرب أكثر من إعتصام، وسبق أن طالبوا وناشدوا الدولة القيام بواجباتها إحتجاجا على قناة ″مشروع ري البارد″، للمطالبة بإيجاد حل للقناة التي أنشئت في العام 1971، بهدف ري عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية لتعود بالخير على المزارعين، وذلك بإشراف مؤسسة مياه لبنان الشمالي المخولة متابعة المشروع والإشراف عليه وتنظيفه.
هذا الإهمال، وغياب أية مبادرة رسمية لتأهيل القنوات وخزانات المياه ومساربها، إضافة إلى الجسر الذي أنشئ في بلدة برج العرب بطول 300 مترا لتمرير المياه من جهة إلى أخرى، كان كفيلا بتحويل القنوات إلى مكب لشتى أنواع النفايات بدءاً بالمنزلية، مروراً بالنايلون الخاص بالمشاريع الزراعية وحتى فضلات المسالخ، وصولاً إلى المياه المبتذلة والصرف الصحي الموصولة مباشرة بقساطل إلى القنوات.
هذا الواقع، حوّل المشروع من نعمة إلى نقمة حيث تفيض القنوات شتاء وتغمر الأراضي الزراعية والطرقات كما تدخل المنازل المجاورة وتحدث نكبة في المنطقة.يحتار الأهالي في بلدة برج العرب التي تخترقها القناة بطول كيلومترين في كيفية إيجاد حلول جذرية للمشكلة التي حولت السكن في المنازل إلى مأساة بسبب الروائح الكريهة المنبعثة من القنوات المكشوفة، إضافة إلى كثرة الحشرات والقوارض.
لا يختلف إثنان على أن المواطنين يتحملون جزءا من المسؤولية، ولكن هل كانوا ليلجأوا الى رمي النفايات في القناة أو إيصال الصرف الصحي إليها، لو أن بلدياتهم أمنت لهم البديل؟.
يتساءل المواطنون: ألا تعلم بلدية برج العرب وغيرها من بلديات المحمرة، وببنين، ووادي الجاموس، ودير دلوم، أن تعزيل القناة ضروري وباستمرار خلال فصل الشتاء؟. وكيف يمكن لمدرسة ″برج العرب الرسمية″ المحاذية للقناة أن تستقبل طلابها وكأن شيئا لم يكن؟، لماذا كل هذا الصمت؟ ألم يحن الوقت للانتفاضة والمطالبة بالحقوق؟.
وينتقد مطلعون أن تتحول المناصب الى فرصة لجمع المال وتمرير المشاريع المشبوهة، ووضع المال العام في الجيوب الخاصة، والاكتفاء بالتذرع أن ما يتم تحويله من الصندوق البلدي المستقل أو من وزارة الاتصالات لا يكفي لجمع النفايات، ليفاجأ المواطنون بأن النفايات تغزو الشوارع.
ويؤكد هؤلاء أنه لم يعد مقبولا أن يكون المشهد مأساويا ومقززا لهذه الدرجة والبلديات المعنية أتخمت صناديقها بالأموال في العامين 2015 و2016 حيث تم توزيع مبلغ 15 مليون دولار على ثماني اتحادات بلدية في عكار وطبعا نال اتحاد بلديات ساحل القيطع مبلغ 3 مليون دولار كان كفيلا بحل أزمة التلوث كليا لو أن النية وجدت لذلك.
واللافت أن المبلغ نفسه خصص لأعمال تأهيل وتعبيد الطرق العامة، فتمكنت الهيئة العليا للاغاثة من إتمام عشرات المشاريع العامة وتحديدا الطرق العامة والأتوسترادات في عكار. فأين ذهبت أموال البلديات؟ كيف أنفقت؟ كيف تم تقاسم قطعة الجبنة فيما المواطن يئن من التلوث وعلى أبواب المستشفيات؟.
من المؤكد وفق الأهالي ″أن مشروع الري بات بؤرة صحية وبيئية، حيث تنتشر الأمراض بكثرة بين الأطفال، والدولة غائبة كلياً عن المشروع، فضلا عن الخطر المتربص بأهالي المنطقة حيث تحول مشروع ريّ قناة البارد، إلى مصيدة للأطفال″.
قصص كثيرة يرويها الأهالي عن حوادث مؤلمة كان ضحيتها أطفال سقطوا في القناة وتوفوا، حيث أن أكثر من أربعة عشر طفلا كانوا ضحية القناة في بلدة برج العرب وحدها، والرقم نفسه تقريبا في بلدة ببنين.
الجميع يعلم قصص عبد الواحد علي، وأحمد الشيخ زكريا، ومحمد عمر، وأحمد مصطفى..، وطفلة معوقة سقطت في أحد المسارب، وغيرها كثيرون. المأساة واحدة وعداد القتلى لا يتوقف، والأطفال هم دائما الضحية الذين تحولوا الى أرقام يسطرها الأهالي في خانة ضحايا فساد البلديات.