إنتهى عيد الاستقلال بعرضه العسكري، وباستعراضه السياسي الذي إستعاد الرئيس سعد الحريري من خلاله بعضا من شعبية زرقاء، بفعل الاستقالة والاحتجاز والتحرير والعودة والتريث، ما أدى الى تأجيج مشاعر المناصرين الذين حضروا الى محيط بيت الوسط تعاطفا ودعما للحريري الذي رد التحية بأحسن منها، وهو المشتاق الى الحرية، فخرج إليهم، وتحدث معهم، ووجه رسائل عابرة للحدود، وأنشد النشيد الوطني اللبناني بكل حماس، ثم رمى بنفسه بين المحتشدين ملتقطا ″السيلفي″ ضاربا الاجراءات الأمنية بعرض الحائط، ووربما نسيَ أن بيان إستقالته السعودي تحدث عن تهديد لحياته..
إنتهت ″الهمروجة″، و″راحت السكرة وجاءت الفكرة″، وهنا يجوز السؤال للعهد أولا، ولرئيس الحكومة ثانيا، ولحزب الله ثالثا: بالنسبة لبكرا شو؟.
لم يعد خافيا على أحد أن السعودية أقدمت على ″دعسة ناقصة″ باحتجاز سعد الحريري، خصوصا أن خطوتها كانت مبنية على سيناريو غير قابل للتنفيذ، لذلك لم يمض إسبوعين على تقييد حرية رئيس حكومة لبنان، حتى بدأ الضغط الدولي والاقليمي وساد الارباك في المملكة التي سمعت إنتقادات أوروبية قاسية، إضطرت على وقع ضرباتها أن تسلم الحريري الى فرنسا.
بحسب المطلعين، فإن الحريري المتحصن فرنسيا تمكن في الاجتماع الذي عقده مع ولي العهد محمد بن سلمان قبيل مغادرته الى باريس من الاستفادة من التسوية الدولية في إنتزاع فرصة لبنانية ربما تكون أخيرة، وذلك بعدما وصل الى مسامع بن سلمان من أكثر من طرف، بأن “ما تقومون به لا أفق سياسيا له، لأن حزب الله هو قوة عسكرية إقليمية، وليس للسنة في لبنان قدرة على مواجهته، كما لا تستطيع السعودية أن تحارب إيران بالواسطة، وأن لبنان في حال إستمرت السعودية بهذا السلوك سيجد نفسه في الحضن الايراني بشكل كامل وهذا ليس من مصلحة المملكة لا من قريب ولا من بعيد.
لذلك وبعد تلقي الحريري جرعات دعم فرنسية ومصرية وقبرصية، إنطلقت الخطة ″ب″ التي منحت الحريري تذكرة سفر الى لبنان للاستفادة من الاحتضان الوطني والشعبي، في فرض مبدأ النأي بالنفس على كل الأطراف اللبنانية.
تشير المعلومات الى أن الرئيس نبيه بري عندما صعد مع الحريري في سيارته خلال توجههما بعد إحتفال الاستقلال الى القصر الجمهوري، قدم له تطمينات كثيرة لجهة السعي الى ضبط مواقف حزب الله، كما تلقى الحريري وعدا من رئيس الجمهورية ميشال عون خلال لقائهما الثنائي بأن تبدي الدولة اللبنانية بوادر حسن نية تجاه دول الخليج، وأن يسعى لدى حزب الله لاقناعه بالتخفيف من المواقف التصعيدية تجاه السعودية، وأن يدعو الى حوار جديد حول الأمور الخلافية.
هذه التطمينات أنتجت ″التريث″، كما أنتجت تهدئة واضحة من كتلة الوفاء للمقاومة التي أشادت بموقف الحريري، وإنتقدت في بيانها مواقف بعض الدول الخليجية تجاه محاولة إشعال فتنة في لبنان، من دون أن تدخل في لعبة التسميات.
تقول مصادر مطلعة على أجواء تيار المستقبل: ″إن ما حصل هو مجرد دفع لكرة الأزمة الى الامام من دون سحب فتائل التفجير منها″، معتبرة أن ″حزب الله لن يقدم سوى تطمينات كلامية، تؤكد عدم تورطه عسكريا في الدول الخليجية أو في اليمن″، لافتة الانتباه الى ″أن كلام قائد الحرس الثوري الايراني أمس كان واضحا وهو في جزء منه جاء ردا على حزب الله لجهة الحديث عن الانسحاب من العراق وسوريا″.
وتخلص هذه المصادر الى القول: ″إنه حاليا ليس بالامكان أفضل مما كان، فالرئيس عون يسعى الى الحفاظ على إستمرار عهده، والرئيس الحريري لا يريد خسارة مفاعيل العودة القوية التي إستعاد فيها قسما من شارعه على مسافة ستة أشهر من الانتخابات، في حين أن حزب الله هو المستفيد الأكبر من تثبيت التسوية التي كانت قائمة، ما يدل على أن الجميع يحاولون شراء المزيد من الوقت لحين أن تنتضج تسوية ما في المنطقة، أو أن تنجح الوساطات الدولية والاقليمية في التخفيف من حدة الصراع السعودي ـ الايراني″.
لكن ماذا لو عادت الملفات الخلافية الى الواجهة؟، وماذا لو عاد الضغط السعودي بعد إنجاز كل الترتيبات الداخلية في المملكة؟ وماذا سيكون موقف الحريري؟، هل سيغض النظر كما فعل خلال السنة الأولى من العهد، أم أنه سيتخلى عن التريث لمصلحة تثبيت الاستقالة؟، وعندها هل سيصار الى إعادة تكليفه من جديد، أم أنه سيغيب لفترة عن المشهد السياسي؟.
يقول مطلعون: ″إن ما شهده لبنان بعد إستقالة الحريري من تضامن ووحدة وطنيتين هو أمر غير مسبوق وربما لن يتكرر، لأنه ليس في كل مرة تسلم الجرة″.