كل الغضب والاستنكار لما تعرضت له الشابة ريا الشدياق على يد الوحش البشري الذي على الدولة أن تنزل به القصاص العادل الذي يساهم في تبريد قلوب عائلة المغدورة ظلما وعدوانا.
وكل التضامن مع بلدة مزيارة في زغرتا التي فجعت بقتل إبنتها، وهزتها جريمة نكراء لا يمكن أن يكون لها أية أسباب تخفيفية.
وكل التضامن أيضا مع الممثلة آن ماريا سلامة التي كادت أن يكون مصيرها على نحو مصير المغدورة ريا، لولا تماسكها وقوتها التي أنقذتها من مخالب وحش كاسر إضافي كان يتربص بها إغتصابا وقتلا.
لا يمكن لأي مواطن لبناني مهما كان إنتماءه السياسي أو الطائفي أن يكون ضد عودة النازحين السوريين الى بلدهم، سواء المتضرر على صعيد المنافسة في سوق العمل، أو المتضرر من الكثافة السكانية الحاصلة في بعض المناطق والبلدات والأحياء، أو من يتطلع الى عودة سوريا الى ما كانت عليه في كنف نظامها، أو من ما زال يمني النفس بسقوط هذا النظام، أو من يريد لهم عودة آمنة تحت مظلة الأمم المتحدة، فالجميع متوافقون على ضرورة عودتهم كل من منظاره، لكن الرياح الحكومية تجري بعكس ما تشتهي السفن الشعبية، حيث أن الحكومة ما تزال غارقة في الخلاف على كيفية هذه العودة، من دون أن تخطو خطوة واحدة جدية في هذا الاتجاه.
ما يثير الاستغراب، هو هذه التعبئة العامة المفاجئة المتنقلة بين المناطق بدءا من بشري مرورا بـ زغرتا وصولا الى جبل لبنان وكثير من المناطق اللبنانية الأخرى ضد النازحين السوريين، والممارسات التي أقل ما يقال فيها أنها “عنصرية” بامتياز والتي تُفرض عليهم، وتهدف الى تقييد حركتهم، وصولا الى التدخل بتفاصيل حياتهم اليومية، في وقت تبدو فيه المطالب الشعبية في واد والحكومة في واد آخر، ما يؤكد بما لا يقبل الشك بأن لا حل قريبا لأزمة النازحين.
ليست المرة الأولى التي يشهد فيها لبنان جرائم من هذا النوع (إغتصاب وقتل وسرقات)، وربما أقدم لبنانيون على جرائم أشد وطأة وأكثر إجراما، وليست الجريمة بيد السوريين أمرا مستجدا على لبنان، فالسوريين يتواجدون في لبنان منذ أكثر من 35 عاما وكان يُحكى عن مليون سوري عامل في لبنان سواء خلال زمن الوصاية أو بعده، قبل أن يتحولوا مع غيرهم الى نازحين، وفي تلك الفترة، شهد لبنان جرائم عدة بأيدي سوريين، كما إنضوى سوريون في تنظيمات وحملوا السلاح وواجهوا الجيش والقوى الأمنية من دون أن تكون هذه التعبئة المبرمجة المتنقلة من منطقة الى أخرى المطالبة برحيلهم قائمة.
والكل يعلم أن الجريمة لا دين ولا طائفة ولا مذهب لها، والمجرم مجرم مهما كان إنتماؤه أو عرقه أو لونه، والجرائم التي ترتكبها الخادمات الأجنبيات من قتل وسرقات لا تعد ولا تحصى، وكان آخرها وأخطرها جريمة الخادمة الأثيوبية التي ذبحت مخدومتها وأحرقت جثتها مع المنزل، فلماذا لم يُصر الى تنظيم تحركات لطرد كل العاملات الأثيوبيات، كما أن ثمة جرائم يرتكبها عمال عراقيون ومصريون وهنود ومن جنسيات أخرى وتطال لبنانيين وغير لبنانيين، فلماذا لم تطالب مجتمعات المناطق المتواجدين فيها برحيلهم.
من المعروف أن لا مكان للصدف على الأرض اللبنانية، وما يثير القلق الى حدود الخوف هو أن تؤدي ″العنصرية″ التي يتعاطى فيها البعض مع النازحين السوريين الى توترات أمنية نتيجة أي عمل مدسوس، لأنه من الواضح أن الطائفية والسياسة تلعبان دورا مهما في كل ما يحصل وهناك قيادات من الصف الأول تغذي هذا الشعور بالعداء ضد السوريين.
لقد أمضى النازحون السوريون ست سنوات في لبنان، في ظل وضع آمن وإنتظام عام على مستوى البلد ككل، وما يحصل الآن هو أمر غير بريء، ومن شأنه في حال تنامى أن يؤدي الى إنقسام وطني أفقي شبيه للانقسام الذي حصل في العام 1975 حيال اللاجئين الفلسطينيين، فرأفة بالبلد أوقفوا حفلة الجنون هذه، ولتأخذ الحكومة اللبنانية دورها في هذا المجال بالسرعة اللازمة وتلبي تطلعات شعبها، وذلك قبل فوات الأوان في بلد هو دائما في الأمن والسياسة على ″كف عفريت″.