الفنان صلاح صبح (شكري) لـ″سفير الشمال″: الفن اليوم تحوّل الى مافيا!… بشرى تاج الدين

″شكري شكرالله″ الرجل الكهل البخيل، الذي إستوطن قلوب مشاهدي الشاشة الصغيرة بخفة دمه وحضوره المحبب، حيث بات إسمه ″شكري″ يُطلق في لبنان والوطن العربي على كل شخص بخيل أو حريص على ماله، نظرا لإبداعه في تقديم هذه الشخصية التمثيلية المتميزة التي عاشت نصف قرن من الزمن، وما زالت وستبقى محفورة في ذاكرة الناس لعقود طويلة.

شخصية شكري يجسدها الفنان اللبناني الطرابلسي صلاح صبح، أحد الأعمدة الأساسيين في فرقة أبو سليم حيث بدأ مسيرته الفنية منذ ستينيات القرن الماضي، الى جانب الشخصيات المحببة على قلوب الجميع، من الراحلين فهمان (محمود مبسوط) درباس (أحمد دنش) أمين (أمين شرمند) جميل (زكريا عرداتي) والصامدين والمتمسكين بالفن الهادف الجميل: أبو سليم (صلاح تيزاني) أسعد (عبدالله حمصي) أبو نصرة (سمير كشتان) والزغلول (فؤاد حسن)، ومعهم قبل ذلك ياسعيد (حسام صيادي)، وغيرهم ممن تعاقبوا على هذه الفرقة التي رفعت إسم طرابلس ومعها لبنان في كل المحافل التي وطأتها. 

قدّم شكري (الفنان صلاح صبح) حوالي ثلاثة آلاف ساعة تلفزيونية وإذاعية، إضافة الى مئات المسرحيات، مع فرقة أبو سليم، وكانت أغلب تلك الأعمال تسجل من دون تحضير، حيث كان السيناريو والحوار يخرجان بشكل عفوي من شكري وأعضاء الفرقة الذين كان الفن والفكاهة والهضامة تسري في عروقهم، كما كانت لـ شكري تجربتين سينمائيتين الأولى مع أبو سليم والثانية مع الشحرورة صباح في فيلم أيام اللولو.

لم يتبدل الفنان صلاح صبح، فهو رغم بلوغه الرابعة والسبعين من العمر، ما يزال حاضرا ناضرا للعطاء وتقديم الأجمل، وهو الآن يقوم الى جانب أبو سليم وأسعد والزغلول وأبو نصرة بتصوير مسلسل ″تاكسي أبو سليم″ لصالح تلفزيون ″إن بي إن″ من إخراج أكرم قاووق، وبدعم من الرئيس نبيه بري الذي طلب من إدارة التلفزيون إحتضان هذه الفرقة الوطنية التي لها فضل على الفن والثقافة والكوميديا في لبنان.   

يعتصر الألم قلب شكري، فالفنان الذي أضحك الملايين في لبنان والوطن العربي، يعبر عن حزن عميق لما آلت إليه أوضاع الأمة العربية وبلادها، وكيف تحول الفن الى تجارة، والى صراع مافيات، وكيف أن الفنان اللبناني مهمش لا تهتم به دولته ولا تقدم له ما يحفظ كرامته وعنفوانه في شيخوخته، وكيف أن الممثلين العرب يعيشون معززين مكرمين بفضل التقديمات التي تخصهم بها دولهم.

تدمع عينا شكري عندما يتذكر رفيق دربه الفني فهمان (محمود مبسوط) وغيره من الفنانين الذين أعطوا زهرة شبابهم وعمرهم لخدمة وطنهم، من دون أن يجدوا في شيخوختهم من يحتضنهم أو من يؤمن لهم راتبا تقاعديا يقيهم ذل السؤال، فمات بعضهم من دون أن يكون في جيوبهم ثمن حبة دواء.

″سفير الشمال″ إلتقت الفنان صلاح صبح، الذي إستذكر مسيرته الفنية التي أمضاها الى جانب أبو سليم وفرقته، والرحلات التي قاموا بها حول العالم، وتصوير المسلسلات لصالح تلفزيون لبنان تحت القصف الذي كانت تتعرض له بيروت خلال الحرب الأهلية، حيث ″كنا نجتمع في الطوابق السفلى، وعندما تهدأ الأوضاع نعود للتصوير، لكي نقدم للبنانيين ما يضحكهم وينسيهم معاناتهم ومآسي الحرب″.

يتحدث شكري باسهاب عن معاناة الفنانين في لبنان، بسبب غياب الضمانات والتقديمات، مستهجنا ما ″تقوم به الدولة عندما تبادر الى تكريم الفنان بعد مماته بوسام يوضع على نعشه، بينما هو يكون في حياته لا يملك ثمن حبة دواء يداوي بها أوجاعه″، مؤكدا أنه ″لا يخاف من المستقبل، وأن إيمانه بالله يجعله قويا، ويدفعه الى مزيد من العطاء في الفن″، لافتا الانتباه الى ″أن الفنان اللبناني معتر، وعلى الدولة اللبنانية أن تعيد النظر في تعاطيها مع كل الفنانين، بما يؤمن لهم حياة كريمة″.

وعن دور النقابة في حماية الفنانين، يقول شكري: ″النقابة موجودة من دون عنوان، هي موجودة بالاسم فقط، وبلدنا لا يحترم الفنان ولا يقدره، ومشكلة الفنان اللبناني هي مادية مقارنة مثلا مع سائر الممثلين العرب، وخصوصا الممثل السوري، فرغم الحرب التي عاشتها وتعيشها سوريا، لا تزال الحكومة السورية تقدر الفن وتؤمن رواتب شهرية للفنانين مع ضمانات صحية وإجتماعية كاملة″.

وعن رأيه بالفن عموما اليوم، يقول: ″الفن اليوم مثل المافيا، وكل تلفزيون له مساره السياسي وهذا مؤسف، وكل شركة إنتاج لها فريقها من الفنانين، والمشكلة ايضا هو التكرار الذي يؤثر سلبا على الأعمال الفنية التي غالبا ما تشبه بعضها البعض، والممثل الشاطر هو الذي يتقن الدور الذي يمثله، ويترك اثراً عند الجمهور ولو بعد سنوات، فأنا عشت دور وشخصية شكري حوالي 50 سنة وهي (جاحظ الألفية الثالثة)، وانا اعتز بها جداً وما زلت احتفظ بملابسها لغاية اليوم وستكون ذكرى لي على المدى الطويل، وأعتقد أن أحدا لن يسنى هذه الشخصية″.

وإذ ينوه الفنان صلاح صبح، بما ″قدمه المطرب رامي عياش في مسلسل أمير الليل، والدور الذي أظهره كممثل محترف ورائع، إضافة الى الموسيقى التصويرية التي قدمها وهي ذات قيمة فنية رائعة″، يؤكد أن ″كل الفنانين اللبنانيين أقوياء جدا، وهم يضاهون أفضل الممثلين العرب، منتقدا بشدة الأجور المتدنية التي تعطى للفنانين اللبنانيين″، ويلفت الانتباه الى ″أنه في أحد المسلسلات تم إعطاء أحد الممثلين العرب مئة ألف دولار على دوره، بينما أعطي أحد الفنانين اللبنانيين الذي تفوّق بدوره على الممثل العربي أربعة آلاف دولار فقط، وهذا ظلم كبير، علما أن الدولة لا تتقاضى رسوما وضرائب من الفنانين العرب، بينما نحن في البلاد العربية نُسأل عن تصريح الضريبة قبل أن نُسأل عن جواز سفرنا″.

وعما إذا كان يحن الى زمن الفن الجميل، يقول: ″لا يوجد زمن جميل وزمن غير جميل، كل أزمان الفن جميلة، ولكل زمن فني جماله، وأنا مسيرتي الفنية ما تزال مستمرة، وأنا كفنان لن أتوقف عن العطاء حتى الرمق الأخير″.

وعن مسلسله الجديد ″تاكسي أبو سليم″ يشير الى أنه “تم تصوير عشر حلقات منه، وهو سيعرض في دورة البرامج الجديدة في تلفزيون ″إن بي إن″.

في ختام اللقاء سُئل الفنان صلاح صبح: ماذا تقول لرفيق دربك الراحل محمود مبسوط ″فهمان″، فأجاب والدموع تملأ عينيه: ″الله يرحمك يا محمود، يا صديق العمر، لقد كنا ثنائيا رائعا على مدار حوالي 40 سنة، هو خسارة كبيرة للبنان والوطن العربي، فهمان كان ملك الكوميديا وملك العطاء، ودينامو فرقة أبو سليم وفنان كبير جدا جدا″.

فهمان، عاش ومات فقيرا، وهو توفي على المسرح حيث كان يعمل من أجل تأمين المال لكي لا يحتاج أحدا، وكنا سويا في بلدة كفر صير الجنوبية عندما صعد الى المسرح وقدم أغنية منولوج وكانت إطلالته الأخيرة على الجمهور، وعندما عاد الى الكواليس سقط على الأرض وفارق الحياة، الله يرحمه ويجعل مثواه الجنة.

Post Author: SafirAlChamal