نقلت أمس وسائل إعلام عن مصادر سياسية إلتقت رئيس الحكومة سعد الحريري، قوله لها أن ″في غضون شهرين، سيكون للشعب اللبناني 24 ساعة كهرباء، وأن التأخير كان سببه الوقت الذي إستغرق لمناقشة قانون الإنتخابات″.
وإذ تبيّن أن وسائل الإعلام التي نقلت ″وعد″ الحريري مقربة منه، فإن ذلك لا يمنحها مصداقية ضمن هذا المضمار، فهذا موضوع آخر، لكن هذا ″الوعد″ يمكن قراءته في ناحيتين: الأولى أنه جدّي، والثانية أنه دعائي ويعمل على “تبييض” صفحة الحريري، وتصويره بأنه يتابع شؤون المواطنين من موقعه في الرئاسة الثالثة، وبثّ التفاؤل في أوساط جمهوره والمواطنين.
في الظاهر، قد يبدو أن ″وعد″ الحريري سيتحوّل إلى ″ورطة″ له إذا لم يتحقق، خصوصاً أنه لا توجد أية معطيات أو مؤشرات تعطي أملاً أن الكهرباء ستؤمّن على مدار الساعة لكل المواطنين وفي مختلف المناطق، ذلك أنها بالكاد تأتيهم 12 ساعة في اليوم، وموزعة على فترات تقنين قاسية، فهل وعده يختلف عن وعود وزراء تسلموا حقيبة وزارة الطاقة منذ سنوات وعقود، ثم تحوّلت وعودهم إلى سراب مع بقاء وضع الكهرباء على حاله؟
أسئلة كثيرة طرحت حول المعطيات التي إستند عليها الحريري في وعده الذي أعطاه لمواطنيه، ذلك أنه لا معامل إنتاج جديدة سوف توضع قيد العمل لتؤمّن حاجة لبنان من الكهرباء، ولا ″صفقة″ بواخر الكهرباء التركية ـ الجزء الثاني، مرّت على خير، إلا إذا كان الحريري يُعوّل على زيادة كمية إستجرار الطاقة الكهربائية من سوريا، بعدما وقع البلدان قبل أيام إتفاقاً لتزويد سوريا لبنان بنحو 300 ميغاوات، وهذا عملياً، وسياسياً، غير وارد؟
غير أن ″وعد″ الحريري إستدعى من مراقبين جملة نقاط ينبغي التوقف عندها، وأبرزها هي:
أولاً: إن ″وعد″ الحريري مرّ على لسان مصادر سياسية، ما يجعله غير ملزم بتحقيق هذا الوعد في الموعد المحدد، وأن يتملص منه كون الكلام نقل عن لسان مصادر وليس منه شخصياً، وأن يقول إن هذا الكلام ″غير دقيق″، وغير ذلك من المبرّرات.
ثانياً: إن ″وعد″ الحريري مرّ ضمن سياق خبر عن نشاطه ولقاءاته، وفي بضعة أسطر فقط على هامش الخبر الذي نُشر، ما يدفع للتساؤل: هل لو أن ″وعد″ الحريري صادقاً، أما كان أعلنه على الملأ، وأمام حشد سياسي وشعبي من أجل “قطفه” سياسياً وانتخابياً، ولكان تيّاره وفريقه السياسي وحلفائه ووسائل الإعلام المقربة منه جعلت هذا الوعد في صدارة عناوينها، كونه إنجازاً منتظراً ما يزال مؤجلاً منذ انتهاء الحرب الأهلية قبل أكثر من 27 عاماً؟.
ثالثاً: إن معامل إنتاج الكهرباء، وفق تقرير رسمي نشرته مطلع شهر تموز الماضي ″الوكالة الوطنية للإعلام″، أي قبل نحو شهر ونصف الشهر من ″وعد″ الحريري، ذكر وجود ترهّل في شبكة التيار الكهربائي وفي بعض معامل الإنتاج، وعجز في توليد الكهرباء، لأن معامل الإنتاج والبواخر التركية وكمية الطاقة المستوردة من سوريا لا تؤمّن أكثر من 2000 ميغاوات، بينما لبنان يحتاج الى ما لا يقل عن 3000 ميغاوات لتغطية حاجته، فكيف سيؤمّن الحريري في غضون شهرين النقص المتبقي، وهو 1000 ميغاوات، فما هو الحلّ السحري الذي يمتلكه ويخفيه عن اللبنانيين ولن يظهره إلا بعد 60 يوماً؟
وحتى لا يُقال إن ″وعد″ الحريري الكهربائي لن يختلف عن سواه من وعوده الإنمائية التي لم يتحقق معظمها، وحتى لا يُتهم من ينتقدونه بأنهم يوجّهون إليه إتهامات لا أساس لها من الصحّة، ليس أمام اللبنانيين إلا الإنتظار شهرين، كما صبروا سابقاً على وعوده التي لم تبصر النور، وبعدها لكل حادث حديث.