خلال السحور الذي أقامه يوم الأحد الماضي عضو المكتب السياسي لتيار المستقبل معتز زريقة في دارته في المنية، على شرف رئيس الحكومة سعد الحريري الذي جال في الشمال راعياً ثلاثة إفطارات وسحور، تطرّق زعيم التيار الأزرق إلى الإنتخابات النيابية في قضاء المنية ـ الضنية، من غير أن يأتي على ذكر الإستحقاق الإنتخابي في بقية المناطق خلال محطاته الأخرى.
تناول الحريري الإستحقاق الإنتخابي النيابي في هذا القضاء جاء من خلفية حرصه، وفق كلامه، على بقاء مقاعد القضاء الثلاثة الموزعة عرفاً كما هي، أي إثنين للضنية وواحد للمنية، بعدما وصلته مخاوف من فاعليات وأهالي المنية من أن يؤدي القانون الإنتخابي المرتقب إلى “كسر” هذا العرف، وأن تسفر النتائج عن خسارة المنية مقعدها وفوز ثلاثة مرشحين من الضنية، بفعل رجحان كفة الضنية على المنية من ناحية عدد أصوات الناخبين بمعدل ضعفين تقريباً.
فقد توجّه الحريري للحاضرين قائلاً: “أعلم بمناسبة الكلام عن قانون إنتخابي جديد، أنه لديكم خشية من أن تفرز الإنتخابات نتيجة بشكل يتمثل فيها قضاؤكم بثلاثة نواب من الضنية، وتخسر فيه المنية مقعدها. وأنا هنا لأقول لكم أن هذا الأمر غير وارد ومقعد المنية محفوظ مهما كان القانون”.
هذه الخشية من خسارة المنية مقعدها النيابي ليس أمراً جديداً، فقد كان ذلك هاجساً لأبنائها ومرشحيها في كل الدورات الإنتخابية، باستثناء دورتي 2000 و2005، عندما عمل قانون غازي كنعان على فصل المنية عن الضنية، ضامناً لها مقعدها النيابي، بعد أن ألحق الضنية بدائرة إنتخابية والمنية بدائرة أخرى.
لكن توزيع مقاعد القضاء عُرفاً بين المنطقتين كُسر تاريخياً مرتين، الأولى في عام 1968، عندما فاز نائبان من الضنية (يومها كان مخصصاً للقضاء مقعدين فقط، وكان القضاء دائرة إنتخابية)، ومن بلدة سير تحديداً، هما محمد فتفت وأحمد الفاضل؛ والثانية عام 1992 عندما فاز نائبان من المنية هما محمود طبو وصالح الخير مقابل نائب واحد من الضنية هو أسعد هرموش، في أول إنتخابات جرت بعد الحرب الأهلية كان الشمال فيها كله دائرة إنتخابية واحدة.
غير أن عودة المخاوف لدى فاعليات وأهالي المنية من خسارة مقعدهم النيابي، له ما يبرره هذه المرة، وبشكل مضاعف، وهو يعود برأيهم للأسباب التالية:
أولاً: إنخفاض نسبة ناخبي المنية من 42 % تقريباً من بين ناخبي القضاء وفق لوائح شطب إنتخابات 2009 إلى أقل من 35 % وفق لوائح شطب إنتخابات 2017، بعد أن سلخ منها البداوي ووادي النحلة وإلحقا بقضاء طرابلس في قانون أقر في مجلس النواب أواخر عام 2016، ونتيجة هذا السلخ خسرت المنية ناخبي البلدتين الذين يبلغون 8509 ناخبين (7350 من البداوي و1159 من وادي النحلة، وفق لوائح شطب 2017).
ثانياً: تعقيدات النظام الإنتخابي المرتقب القائم على النسبية، واعتماد نظام العتبة الإنتخابية والحاصل الإنتخابي، فضلاً عن الصوت التفضيلي، الأمر الذي من شأنه أن يجعل ناخبي كل منطقة وبلدة وعائلة يصوّتون لمن يعنيهم مباشرة، وفي ظل الخلل القائم في التوزيع الديموغرافي الذي يصبّ لصالح الضنية، فإن مقعد المنية يصبح مهدداً.
ثالثاً: تراجع نفوذ وشعبية تيار المستقبل في القضاء، سواء في الضنية أو المنية، وهو ظهر تحديداً في الإنتخابات البلدية الأخيرة، ما يعني أن مرشحي التيار الأزرق هم في وضع غير مريح إنتخابياً، ما سيعزز فقدان عامل الثقة بينهم.
رابعاً: القانون الجديد سيكون عاملاً في تكاثر عدد المرشحين، حتى ضمن العائلة الواحدة، ما سيبعثر أصوات الناخبين في القضاء، وسيكون له تأثير على المرشحين الأقوياء، إنما تأثيره سيكون أكبر في المنية نتيجة الخلل في توزيع الناخبين بينها وبين الضنية.
خامساً: وجود قوى لها وزن إنتخابي فاعل في الضنية أبرزها النائب السابق جهاد الصمد الذي يشكل القانون الجديد ضمانة لاستعادة مقعده النيابي، وتمدد نفوذ الرئيس نجيب ميقاتي إلى القضاء بشكل فاعل وملحوظ، ومحاولة الوزير السابق أشرف ريفي إيجاد موقع له فيه، ما سيربك تيار المستقبل، ويجعل التكهن بما ستسفر عنه الإنتخابات أمراً في غاية الصعوبة.
كل ذلك يدفع لطرح السؤال التالي: على أي أساس وعد الحريري فاعليات وأهالي المنية بأن مقعدهم النيابي محفوظ، أم أن وعده هذا، هو أحد وعوده التي تسبق عادة كل إنتخابات نيابية ويبقى تحقيقها في علم الغيب؟