أكثر من 150 عائلة، وأكثر من 700 شخصا، يعيشون في حارة ″المشارقة″ في جبل محسن في ظروف أقل ما يقال فيها أنها ″مأساوية″، كون الخدمات البلدية لا تعرف طريقاً إليها، حتى أن إسمها غير متداول، لا في أروقة المعنيين ولا لدى الجمعيات التي ″تنشط″ في سبيل النهوض بالأحياء الفقيرة.
الوصول الى حارة ″المشارقة″ ليس سهلاً، هي تطل على ″بعل الدروايش″ و″شارع سوريا″، بمعنى أن أهلها عاشوا في السنوات الماضية هموم جولات العنف، وما أنتجت من خراب ودمار، ومع هذا فان أهالي الحارة لم يحظوا بأي اهتمام لا من بلدية طرابلس ولا من الهيئة العليا للاغاثة، وعلى هذا يعلق الأهالي ″كيف يهتمون بنا وأحداً لا ينادي باسمنا، لا سياسي ولا عضو مجلس بلدي؟″.
أزقة الحارة ضيقة، وكل بناء فيها يضم ما لا يقل عن ثلاثة طوابق تحت الأرض، أي ان الكثير من أهاليها يعيشون خارج “دائرة الحياة الصحية” بسبب حرمانهم من الشمس، فيما الأمراض تتآكلهم تماماً كما البعوض والقوارض المنتشرة في كل مكان، وهم يرون أن بلدية طرابلس لا تُدخلهم ضمن قاموسها، الا حينما ترغب بجباية الرسوم والتي يدفعونها بشكل مستمر، من دون أن تشفع لهم بالحصول على الخدمات.
لا متنفس للأطفال في ″حارة المشارقة″ سوى الطرقات المتعرجة التي تجعلهم عرضة للمخاطر، وبالرغم من وجود بعض المساحات الخالية الا من النفايات، فان بلدية طرابلس لم تبادر لتحويلها الى حدائق عامة، وكيف يمكنها التفكير بهذا الجانب وهي لم تسع الى رفع النفايات المتراكمة بحجة أن سيارات ″لافاجيت″ لا يمكنها الدخول اليها، ما يطرح سؤالا محوريا: كيف يمكن حماية بيئة تلك الحارة من النفايات؟.
يؤكد رئيس جمعية ″العمل الحسن″ في جبل محسن يوسف مجذوب أن ″حارة المشارقة هي من أفقر الأحياء في المنطقة، وأن بلدية طرابلس لا توليها أي اهتمام بالرغم من المراجعات الكثيرة التي نقوم بها، كما أن شركة ″لافاجيت″ لا تدخلها، ما يجعل النفايات تتراكم يوما بعد يوم″.
ويقول مجذوب لـ″سفير الشمال″: لقد وعدنا رئيس البلدية أحمد قمر الدين بانجاز مشروع البنى التحتية، لأن المجارير تتدفق بشكل مستمر على الطرقات، ولكن هذا الوعد لم ينفذ، علما أننا كلما أردنا اصلاح مجرور ندفع ″الرشاوى″، حتى أن الطرقات تتحول الى بحيرات خلال فصل الشتاء بسبب الحفر، وكل ذلك لم يشكل حافزاً لدى المعنيين بنظرة إهتمام.
ويشير مجذوب الى ان ″بعض الجمعيات تقوم بمبادرات فردية كطلاء الجدران وتأهيل الأدراج، وهنا يمكننا أن ننوه بالجهود التي يقوم بها عضو المجلس البلدي المهندس باسم بخاش في سبيل رفع المعاناة عن كاهل المنطقة، لكن كل ذلك يبقى دون المستوى المطلوب″.
ويضيف مجذوب: ″إن الفقر يخنق منطقتي التبانة وجبل محسن بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة، حتى الدولة لا تقوم باعادة تأهيل الأبنية الآيلة للسقوط، وقد رأينا بعض التحسينات التي طرأت على شارع سوريا، الا اننا لم نشهد نفس الأعمال في منطقة جبل محسن لا من قبل الجمعيات ولا من قبل الهيئة العليا للاغاثة، وهنا نتمنى على بلدية طرابلس الالتفات الى الأبنية الموجودة عندنا والتي تحتاج الى الترميم، خصوصا أن حياة المواطن فيها مهددة بالخطر″.
يقول المواطن محمد الناعم: ″نعيش أوضاعاً مأساوية، شأننا في ذلك شأن كل الأحياء الفقيرة في هذه المدينة، ومهما رفعنا الصوت فان بلدية طرابلس لا تهتم، وكيف تهتم بمنطقة ليس لديها أي مرجع سياسي ولا حتى عضو مجلس بلدي؟، لذلك نحن محرومون من أبسط حقوقنا فمتى تلتفت الدولة الينا؟؟″.
ويشير أحمد ديبو الى أن ″الشعب الفقير لا يجد من يهتم به، والسياسي ينظر الى من يتسكع على أبوابه وينذل في سبيل الحصول على خدماته، ومعروف عن منطقة جبل محسن بأنها لا تلجأ الى أي سياسي، لافتا الانتباه الى أن أهالي المشارقة يعيشون مع الأوساخ والجرذان والمجارير فماذا يمكن للدولة أن تتوقع من أهلها؟!″.
ويرى علي ديب ″أن الفقر لا يولّد الا الحرمان والذل لعائلات تنشد السلام، ومنذ وجودنا في هذه المنطقة لم يزرنا أحد من السياسيين للاطلاع على أوضاعنا بالرغم من أن هناك حوالي 150 عائلة يعيشون فيها، مشيرا الى أنه في حال تعرض أحدنا لعارض صحي فانه من الصعب جداً وصول سيارة الاسعاف أو أي سيارة، ما يضطرنا الى حمل المريض للخروج به من الحارة″.
ويؤكد أحمد حجو أن ″المنطقة متروكة ولا أحد يهتم بها″، في حين تشير منى إسكندر الى أنها
″تعيش في حارة المشارقة منذ حوالي 30 سنة، وحتى اليوم لم نشهد أي اهتمام لا من قبل بلدية ولا من قبل الدولة، وحدها الجمعيات تقوم ببعض الخدمات، مناشدة المعنيين الالتفات الينا لأننا نموت ببطء، علما أننا بعد انتهاء جولات العنف تأملنا خيراً بالهيئة العليا للاغاثة بغية التعويض علينا لكن عبثاً ننتظر، وحتى الساعة لم نحظ بأي اهتمام″.
ويرى جهاد عزيز عثمان أن الدولة تخلت عن مواطنيها، ورفعت اليد عن المناطق الفقيرة، لذلك، الكل يستخدمنا في رسائله السياسية ومن ثم يعود ليرمينا في غياهب النسيان.
أما المواطن محمود مجذوب فيؤكد أن″منطقة جبل محسن محرومة من أي اهتمام، واذا ما تجولنا فيها نجد المجارير في كل شارع فضلاً عن حاويات النفايات والتي تفتقر لأدنى مقومات النظافة، البرغش والجرذان يغزوان المنطقة بسبب غياب البلدية وقد أصبحنا نعيش حياة المخيمات ولكن بمساحة أكبر″.
ويشدد مجذوب على″ أن الانتخابات النيابية المقبلة وحدها كفيلة بانقاذنا من هذه الحياة الصعبة وإن غداً لناظره قريب″.