الحارة البرانية.. نضال في مواجهة السلطة والفقر… عمر ابراهيم

IMG_7958

لا يشبه واقع الحارة البرانية المتخم بالهموم المعيشية والانمائية، مسيرتها الحافلة بـ”الثورات” ضد الحرمان والاهمال وظلم السلطة السياسية في الحقبة الزمنية الممتدة من عام 1958 (ثورة شمعون) حتى العام 1974 (دولة المطلوبين).

قصة هذه الحارة مع التهميش والحرمان، لم تنته فصولها مع تبدل رجالات السلطة والظروف السياسية، وهي استمرت وان باشكال وعناوين مختلفة، خصوصا مع بداية الثمانينيات، حيث تغيرت وظيفتها من مدافع عن حقوق “المظلومين”، الى اداة بيد بعض القوى السياسية، التي استغلتها في صراعاتها وحروبها المحلية والاقليمية، وحولتها الى بؤرة توتر امني دائم، ربما لعب موقعها الجغرافي المتداخل مع جبل محسن لجهة حارة السيدة، دورا كبيرا في النظرة اليها من زاوية امنية وليس انمائية.

ويمكن القول ان قضية الحرمان في الحارة البرانية، ليست وليدة اليوم، فهي إرث لتاريخ طويل امتد على مر العقود بأوجه مختلفة، منه ما هو طبيعي ومنه ما هو سياسي، وفي كلا الحالتين روايات تحكي قصصاً عن معاناة هذه الحارة، التي تشهد عليها أدراجها المتآكلة وجدرانها ومنازلها وكل معلم فيها، والذي لايختلف شكلاً ومضموناً عن سائر أحياء طرابلس  المهمشة والمتداخلة مع بعضها البعض ضمن ما يسمى حزام البؤس والحرمان، وقد شكلت على مر العقود خزاناً للفقراء وبعض الوافدين اليها من عكار والضنية.

في العام 1957 قضى طوفان نهر ابو علي على جزء من واجهة الحارة البرانية المطلة على النهر وتسبب بتشريد مئات العائلات إلى داخل المدينة القديمة ولاحقاً إلى منطقة المنكوبين، لتبدأ حكاية هذه الحارة التي تحولت بفعل الاهمال الرسمي إلى ملاذ استقطب كل اطياف المجتمع الفقير، الذين جمعتهم همومهم الاجتماعية ومشاكلهم الاقتصادية، وشكلت عنواناً لمواجهات عسكرية عديدة وحالات تمرد خاضتها مع سائر الاحياء الملاصقة لها منذ العام 1958 مع انطلاق شرارة ما يعرف بـ”ثورة شمعون”، حيث لجأ اليها العديد من المسلحين وقاتلوا الى جانب ابنائها، لتكتمل المسيرة وتختتم مرحلتها الأولى في العام 1974 بعد اعتمادها كمركز من قبل زعيم “دولة المطلوبين” آنذاك احمد القدور كخط دفاع ثان لحركته “ونضاله” تحت لواء الفقر وشعارات الإنماء غير المتوازن.

تقع الحارة البرانية في الجهة الشرقية من مدينة طرابلس القديمة  لجهة نهر أبو علي، يحدها من الشمال سوق القمح وطلعة العمري وباب التبانة، ومن الجنوب السويقة ، في حين تقف منطقة القبة المرتفعة على تخومها من جهة الشرق، ما جعلها تحتل مركزاً استراتيجياً هاماً ونقطة وصل تربط في ما بين تلك المناطق عبر سلسلة من الادراج القديمة.

الحارة البرانية أدراج

الدخول الى الحارة، يمكن من عدة طرق، تضطر خلالها للصعود الى ادراج، لا تزال الى يومنا هذا الوسيلة الوحيدة للسكان، بسبب استحالة فتح طريق، نظراً لضيق المساحات داخل الاحياء التي تنتشر فيها المحال الصغيرة والبسطات المعدة لبيع المواد الغذائية والخضار واللحوم والدجاج.

مرحلة زمنية مفصلية في حياة تلك المنطقة، التي كانت عادت منذ العام 2008  إلى الواجهة لتنضم إلى جانب شركائها في الفقر وحلفائها في الايديولوجيا في باب التبانة، وتنخرط في صفوفهم في 20 جولة عنف انتهت قبل عامين، مع عدو يتقاسم معها الهموم والمشاكل نفسها ويلتقي معها على ذات القضايا المطلبية والاجتماعية والانسانية، إلا أن عاملي السياسة والطائفة تخطا كل هذه العوامل المفترض ان تكون جامعة، وقفزا فوق كل الاعتبارات فتمترس أبناء الحارة خلف الدشم وداخل الأحياء وفي كل موقع يشرف على خطوط المواجهات التي شهدت اشتباكات عنيفة وتسببت بنزوح أضيف الى معاناة سكانها.

صحيح انها ليست المعارك الوحيدة التي  كانت خاضتها هذه الحارة مع جيرانها وتحديدا  طلعة العمري، حيث شهدت في السنوات ما قبل عام 1986 معارك عدة، تسببت بدمار كبير في المنازل والمؤسسات التجارية، وبحصول فرز سكاني ورسم حدود جغرافية، ساهمت سنوات السلم الأهلي التي عاشها لبنان في تحطيم جزء منه وكسر حواجز الخوف عند العديد من  اصحاب المؤسسات التجارية الذين عاد بعضهم بعد البدء بتطبيق الخطة الامنية بطرابلس في العام 2014  إلى سوق القمح المتاخم لها ليمارس عمله المعتاد، كما عادت بعض العائلات الى اماكن اقامتها عند خطوط التماس، على أمل أن تعود الدولة الغائبة.

Post Author: SafirAlChamal