تشير بيانات التضخم الأخيرة في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو وكذلك تصريحات مسؤولي البنك المركزي الأوروبي ومجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى أن “المركزي الأوروبي” في طريقه إلى خفض أسعار الفائدة في حزيران المقبل.
بينما الفيدرالي سيبقي الفائدة أعلى لفترة أطول مما توقعها، حتى الأسواق باتت مقتنعة بهذه الفرضية، لكن خبراء اقتصاد رجحوا أن هذا التباين حول توقيت تخفيض الفائدة سيؤثر سلباً على العملة الأوروبية الموحدة.
وتشير إحدى الروايات السائدة في السوق إلى أن معدلاتالفائدة المرتفعة في أوروبا هي المسؤولة عن تباطؤ النمو الاقتصادي، ومع ذلك، فإن تباطؤ منطقة اليورو ليس له أي علاقة على الإطلاق بارتفاع أسعار الفائدة، بحسب لاكال، الذي أكد أن الضعف الاقتصادي الأخير في جميع أنحاء منطقة اليورو يجب أن يعزى إلى سياسة الطاقة في التكتل والإجراءات التنظيمية والسياسة الزراعية.
كما أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في الأول من مايو الجاري على معدلات الفائدة دون تغيير للمرة السادسة على التوالي عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة، حيث كان قد توقف عن رفع الفائدة للمرة الأولى في أيلول 2023، وذلك بعد زيادتها 11 مرة منذ اذار 2022.
وفي حين تسارع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة خلال مارس الماضي، بأكثر من التوقعات، وسط ارتفاع تكاليف البنزين والمعيشة، مع ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين إلى 3.5 بالمئة في مارس، من 3.2 بالمئة في فبراير، جاءت البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاءات الأوروبي “يورو ستات” لمؤشر أسعار المستهلكين السنوي بمنطقة اليورو متوافقة مع توقعات الأسواق، حيث تباطأ التضخم السنوي ليسجل 2.4 بالمئة خلال مارس الماضي، مقارنة مع 2.6 بالمئة في فبراير، وبذلك يقترب من مستهدف المركزي الأوربي 2 بالمئة.
وقال نضال الشعار كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “لقد أصبح من الواضح أن البنك المركزي الأوروبي سيخفّض أسعار الفائدة إيماناً منه بأن الركود الاقتصادي لم يعد مقلقاً كما كان في عام 2023، حيث إن هذه الخفض سيعمّق الفجوة ما بين أسعار الفائدة في الاتحاد الأوروبي وفي الولايات المتحدة على الرغم من أن هذه الفجوة موجودة حالياً ويمكن اعتبارها جزئياً إحدى أسباب انخفاض سعر صرف اليورو”.
الآثار قصيرة الأـجل: من الطبيعي أن ينخفض سعر صرف اليورو على المدى القصير، ومن الممكن أن تتقلص الفجوة في أسعار الفائدة في حال تبعه الفيدرالي الأميركي بخفض أسعار الفائدة.
الآثار طويلة الأجل: أما على المدى الطويل فقد يكون لهذا الانخفاض تأثير على المستوى العام للأسعار وعلى توازن الميزان التجاري في منطقة اليورو إذ نعلم أن النمو الاقتصادي المتوقع حالياً يعني بشكل ما زيادة في حجم الطلب الكلي وهذا من شأنه أن يؤثر في المستوى العام للأسعار ارتفاعاً.
هل يمكن أن يحصل التعادل ما بين اليورو والدولار؟
لكن السؤال المهم ههنا هل يمكن أن يحصل التعادل ما بين اليورو والدولار؟ كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا يطرح التساؤل ويجيب تعليه بنفسه قائلاً: “يمكن أن يحصل هذا التعادل بشرط تعرض الاتحاد الأوروبي لصدمة من ناحية العرض (التكلفة)، كما حدث في عام 2022 عندما ارتفعت أسعار الطاقة، إذ انخفض سعر صرف اليورو إلى 96 سنتاً مقابل الدولار”.
ورداً على سؤال حول تأثير بيانات سوق العمل الجديدة في أميركا على قرار الفيدرالي فيما يخص الفائدة قال الدكتور الشعار: “أضاف الاقتصاد الأميركي 175 ألف وظيفة جديدة بينما المتوقع 250 ألف وهذا قد يحفز الفيدرالي لتخفيض سعر الفائدة، ولكنه عودنا أنه لا يأخذ ببيانات مؤقتة، ويمكن أن يبقى على وضعة الحالي أي لن يكون هناك تخفيض قريب لسعر الفائدة على الأقل لنهاية العام”.
من جانبه قال الخبير الاقتصادي، مصطفى بدرةفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “في حال سبق البنك المركزي الأوربي الفيدرالي الأميركي في تخفيض سعر الفائدة في ظل عدم وجود مفاجآت فهذا سيزيد من الحركة الاقتصادية في منطقة اليورو، ولكن الدولار سيكون الغالب في الحركة الاقتصادية العالمية، وسيؤثر على مجريات الأمور في الاتحاد الأوروبي، إذ أن العالم يحتفظ بالدولار والاستثمار فيه أكثر من اليورو”.
وأردف بقوله: “في هذه الحالة من المرجح أن يضعف اليورو خال الفترة المقبلة، مقابل تماسك الدولار جراء التشدد النقدي في أميركا فضلاً عن أن الوضع الاقتصادي في أميركا أفضل منه في الاتحاد الأوروبي، فلو لاحظنا خلال الفترة الماضية بما يسمى قياس مؤشر التضخم في مقابل أسعار الفائدة كانت تعتبر صفر تقريباً، أي كان التضخم بحدود 4 بالمئة مقابل الفائدة التي وصلت لأعلى نقطة 4 بالمئة، وبالتالي فإن انخفاض التضخم الحالي إلى نحو 2.4 بالمئة مقابل أسعار الفائدة الراهنة يضعف قيمة اليورو أمام الدولار”.
ولكن الولايات المتحدة يمكن أن تتحمل هذا الأمر أكثر من ذلك في الدولار وتستطيع دعم الأوضاع الاقتصادية والمساهمة في تحسين الاقتصاد الكلي الأميركي، بحسب الخبير الاقتصادي بدرة، الذي أوضح أن الاقتصاد الأميركي قوي بسبب التحفيز المالي خلال الفترة الماضية (منذ الجائحة) إذ أن زيادة الإنتاجية الكبيرة دفعت الناتج المحلي الإجمالي للارتفاع إلى 3.5 بالمئة وهذا قدرة كبيرة للاقتصاد الأميركي وتنعكس على قيمة الدولار في مواجهة العملات الأخرى مثل اليورو واليوان، بمعنى أن الاقتصاد الأميركي يستطيع تحمل أسعار الفائدة المرتفعة، ولكن الفيدرالي يفكر مراراً قبل تحريكها.