بين غزة وجنوب لبنان، التفاوض الاستراتيجي على مستوى وحدة الساحات..! بقلم: العميد مُنذِر الايوبي 

إناَّ مع الصبح لموعد، بضع ساعات على فجر السابع لاول تشرين من عام مرتحل حتى توالت المفاجآت، اذ أعلن عن عبور مقاتلي حركة حماس اسوار عزل وتجاوز أسلاك شوك زنرت القطاع المحاصر سنوات، إغارة ثم اقتحام مستوطنات وثكنات جيش العدو، فخرٌٌ بانَ وتَبدى حد سحب جنوده من فتحات ابراج “الميركافا” واليات “النمر” المدرعة” في مشهد سوريالي لطالما راود وتعطش له العقل الباطن العربي والفلسطيني مَرُ غابر زمن من 75 حولآ لاحتلال دموي الصفة وحشي السلوك لا انساني الضمير..! 

ما ان لاحت استفاقة حبلى اذلال إثر التقاط بعض انفاس من غزو حماس ومحاولة جنرالات العدو استيعاب صدمة غير مسبوقة حتى اشتعلت ارض غزة، فيما تساءل كثر من مراقبين عن “شعار وحدة الجبهات” هدف دعم ومشاركة فعلية في العمليات العسكرية يدفع نحو تحقيق تقدم ميداني ملموس يقلب الموازين في مؤداه فرض معادلة جديدة قد تقارب حل الدولتين، وإن طبق على مراحل بوهج قوة قادرة تنبجس من صدى انفاق تكفن رجالها وتدثروا ركام..!

لكن رفع شعار استراتيجي بهذا الحجم طموح دونه عقبات وله متطلبات تتجاوز الجغرافيا غير متوفرة بالكامل سواء لجهة الضغط الدولي الهائل المنحاز والاميركي الرابض بحرآ المتفلت من روادع، المرتهن لصهيونية صنو فاشية، ام لجهة التوقيت المتناسب مع الظروف الموضوعية المتأزمة سيما على صعيد الجبهة الداخلية لدول الرباعي المقاوم..!

تاليآ، في استدراك منسجم مع ذاتٍ وعقيدة نفذ حزب الله انتشارآ عملانيآ سريعآ لقواته حيث التهبت الجبهة الجنوبية على خط القطاعات الثلاث الغربي الاوسط والشرقي بالعمق المدروس ضمن هامش كيلومترات عدة، واذ اعتبر امينه العام السيد حسن نصرالله الجبهة الجنوبية جبهة مساندة للمقاومة الاسلامية في غزة فالتحفظ عقلاني عن حرب مفتوحة قد تلفح بسخونتها كامل الاقليم، وترفع مستوى الصراع السياسي الداخلي الوطني الى نقطة الشرخ غير القابل للالتحام بالتوازي مع نوايا فدرلة باتت مطروحة مرغوبة، كما تضاعف هموم ومآسي شعب استنفذ امكاناته، رازح تحت اعباء معيشية وحياتية صعبة اضافة الى دمار هائل سيصيب بنيته الاقتصادية وما تبقى من مرافقه العامة..!

ماذا عن القرار الاممي 1701 الصادر في اعقاب حرب تموز 2006 الذي دعا الى وقف كامل للعمليات القتالية في لبنان.؟

انطلاقآ من خطوة استيعابية واجبة اتت زيارة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الى الجنوب اللبناني في الاسابيع الاولى لعملية طوفان الاقصى يرافقه قائد الجيش العماد جوزيف عون لتؤكد التزام لبنان الرسمي تطبيق قرار مجلس الامن بكامل مندرجاته، وذلك اثر لقائه قائد قوات الطواريء الدولية الميجور ارولدو لاثارو. تزامنآ، كانت الرسائل الديبلوماسية تتوالى وتدعو الى تهدئة تضمن التزامآ معقولآ بقواعد اشتباك غير معلنة تقع ضمن مبدأ التناسب Proportionality، فيما كان سلاح جو العدو يمارس عقيدة (لوفتفافه) Luftwaffe للقوات الجوية الالمانية المرتكزة على مبدأ القصف الارهابي Terrorist aerial bombardment مستهدفة المدنيين عمدآ من اهل غزة واطفالها حتى الاجنة في الارحام، هدف كسر ارادة المقاومة وتحقيق انهيارها..

في السياق وجد مجلس حرب العدو ان سقوط القرار 1701 وعودة الوضع في جنوب لبنان الى ما قبل تموز 2006 هو مأزق جديد يفرض احياءه مع المطالبة بإنشاء منطقة عازلة تقضي بابعاد قوة الرضوان التابعة لحزب الله الى خارج قطاع جنوب الليطاني، ما يهدأ من روع سكان المستوطنات الشمالية ويسمح باقناعهم بالعودة الى مساكنهم..

على هذا الاساس ورغم التورط الفرنسي منذ البدايات في دعم العدوان وتبرير وحشيته دون حياء سارع الثلاثي الديبلوماسي-الامني “جان ايف لودريان؛ كاترين كولونا؛ برنارد ايميه” لزيارة بيروت طرحآ لما يمكن وسماعآ لما يُسَكِن عَلَّ وعسى..!

لكن الامور اعقد من 1701 واعمق من 1559، اذ رغم ان سيناريو اجتياح جنوب لبنان يبقى ماثلآ وواردآ في عقول جنرالات العدو الا ان هذا ليس في بال المقاومة قناعة منها ان درس 2006 لا يزال مطلوبآ مرجعآ مدرجآ في كراريس كلية القيادة التكتيكية (“مالتك”) وكلية الأمن القومي (مابال)، بالتالي التجاوب مع العروض دونه اثمان اقله مرتبط بما يخطط لغزة و التركيبة الجيوسياسية المفترضة لما بعد انتهاء الطوفان وولوج مسلك وقف اطلاق النار ومترتباته..!

في المحصلة الآنية الحقت حماس هزيمة تكتيكية بالقيادة السياسية والعسكرية للكيان الصهيوني وجيشه واستخباراته، فالعدو يسحق نفسه كلما طال امد القتال وقواته تطلق النيران على افرادها واسراها حتى ظلالها وصدى الركام..

في المعادلة، التفاوض الاستراتيجي Strategic Negotiation سيفرض على مستوى وحدة ساحات المواجهة، اذ لن تستطيع المقاربة الاميركية-الفرنسية والعربية للتسوية مستقبلآ تجاهله، طالما ان امتلاك اللحظة في المرونة والقدرة على المناورة Flexibility and Maneuverability بات في يد كلاهما حماس وحزب الله..!

الكاتب: العميد منذر الأيوبي

عميد متقاعد،كاتب وباحث


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal