منصوري في لقاء طرابلسي: الأموال في مصرف لبنان هي للناس ولن نفرط بها.. وإستقرار سعر الصرف من دون الإصلاحات المطلوبة ليس مستداما..

خاص ـ سفير الشمال

شكل اللقاء الذي جمع حاكم مصرف لبنان بالانابة الدكتور وسيم منصوري بعدد من الشخصيات الطرابلسية من قطاعات إقتصادية وتجارية ومصرفية ونقابية وأكاديمية وإدارية بدعوة من رئيس تحرير مجلة “شباب نيوز” الزميل فراس مولوي في فندق “فيا مينا”، إضاءة على جوانب من الفترة السابقة في مصرف لبنان، والمرحلة الحالية واللاحقة التي يقودها منصوري بثبات نجح من خلاله في إلغاء كل الاستثناءات التي كانت قائمة في السابق بما في ذلك تمويل الدولة، للحفاظ على الكتلة النقدية التي تشكل أموال الناس، وعلى إستقرار سعر الصرف الذي لن يكون متسداما إذا لم يترافق مع جملة من الاصلاحات.
رحب صاحب الدعوة الزميل فراس مولوي بالحاكم منصوري آملا أن يوفق في مهامه الجديدة، ثم تحدث منصوري فشكر صاحب الدعوة والمشاركين على هذه الحفاوة وعلى هذا اللقاء، فعرض لمسيرته في مصرف لبنان منذ حزيران في العام 2020، لافتا الى أننا في هذه السنة دخلنا في أزمة مالية كبيرة، وكان الهدف من تعيينه نائبا أولا للحاكم مع نواب الحاكم الآخرين هو المساعدة على الخروج من الأزمة.

ورأى منصوري أن التعاطي العام كان صعبا جدا، وأي تغيير في الآداء كان مستحيلا، كاشفا عن أسباب الضغط الذي مورس من قبل نواب الحاكم قبل إنتهاء الولاية، والتي كانت محاولة لدفع السلطة الى تعيين حاكم جديد، لكننا لم ننجح لأن الدولة تسير بفكرة تصريف الأعمال، في حين أن الأزمة المالية غير المسبوقة والتي أكد البنك الدولي أنها الأسوأ منذ 150 عاما، كانت تستحق لفتة سياسية بتعيين حاكم جديد، وإخراج موضوع الحاكمية من التجاذب السياسي، مشيرا الى أن الفائدة من التعيين مضاعفة، أولا لجهة تعيين حاكم توافقي ونحن الى جانبه، وثانيا، في حال التعيين نكون قد نجحنا في تحييد السلطة النقدية عن التجاذبات، وبالتالي يمكننا الضغط لإقرار الاصلاحات المطلوبة لكن للأسف هذا الأمر لم يحصل.
وأشار منصوري الى أن القرارات التي كانت تتخذ في المجلس المركزي لم تكن تنفذ، وأهمها ما يتعلق بالسياسة النقدية وبالدعم، حيث كانت الدولة ورغم الانهيار تصرف 800 مليون دولار في الشهر على الدعم، في حين أن المراسلات التي خرجت من المصرف تحولت الى ملف كبير جدا ولم يتم الالتزام بأي منها.
وأكد منصوري أن قراره منذ إستلامه كان واضحا بأن كل السياسات التي لم يتم الالتزام بها سابقا سيتم الالتزام بها اليوم، وأن الأموال الموجودة في المصرف المركزي هي أموال الناس ولا يمكن المساس بها وهي أمانة لا يمكن التفريط بها كما كان يحصل في السابق، مشيرا الى أنه تم إلغاء كل الاستثناءات التي كانت قائمة في الفترة السابقة خصوصا لجهة تمويل الدولة، حيث أن المصرف المركزي مستقل ويتخذ قراره بنفسه، ولا أحد يستطيع إلزامه بصرف سنت واحد من أمواله، ومنذ أول آب ولغاية اليوم لم يموّل المصرف الدولة بدولار واحد، وهو لن يمول الدولة من الآن وصاعدا.
ورأى منصوري أن على الدولة أن تفتش عن تمويل خارجي، لافتا الى ثلاثة أنواع من العجز، الأول عجز الموازنة البالغ 46 تريليون ليرة أي نحو 600 مليون دولار، معربا عن إعتقاده بأن هذا العجز يتجاوز المليار دولار، والثاني عجز بالميزان التجاري حيث نستورد أكثر مما نصدر، والثالث العجز في ميزان المدفوعات، وقد كانت الدولة تغطي الأنواع الثلاثة من العجز من أموال الناس وهذا الأمر توقف اليوم، والبديل الوحيد هو الاستدانة من الخارج وهذا لن يحصل إلا من خلال الاصلاحات، وهنا بيت القصيد، ومن أهم أبواب الاصلاحات هو إيجاد موازنة متوازنة، وإغلاق مسارب الهدر لا سيما في المرفأ والـ TVA، وبعد ذلك يمكن التفكير في زيادة الضراب والرسوم على المواطنين، وإذا نجحنا في توقيف هذا الهدر فإن المدخول قد يتجاوز الثلاثة مليارات دولار سنويا، ما يعني أن العجز وإحتياجات الدولة قد تم تأمينهم بأموال داخلية، لكن هذا الأمر قد لا يحصل لأن الضبط الكامل لمسارب الهدر صعب، أما الحل الثاني فهو إقرار القوانين الاصلاحية، وهي اساسية لإنتظام الدولة وماليتها، علماً انه على صعيد العلاقة بين الدولة والمصرف المركزي فأؤكد أنها إنتظمت منذ أول آب، لا سيما حيث لم يعد لدينا أي إستثناء.
وعرض منصوري للحلول المطروحة لأزمة المودعين الذين يعانون الأمرين خصوصا في حالات السفر والمرض والتعليم، لافتا الى أن هذه الأزمة يمكن وضعها على طريق الحل، كاشفا بأنه نزل مرتين الى مجلس النواب، كما عرض النزول الى المجلس كل أيام الاسبوع للعمل من الساعة الثامنة صباحا الى الثامنة مساء، مشددا على أن العمل بهكذا وتيرة لا بد من أن تثمر إقرارا للقوانين وهي الكابيتال كونترول والفجوة المالية وإعادة هيكلة المصارف.
وأكد منصوري أن معالجة الأزمة تحتاج الى حقيقة وصراحة، لافتا الى أن نشره للأرقام الموجودة في المصرف المركزي كان لسببين، الأول حتى يراها اللبنانيون ويتأكدوا بأنها لن تنخفض، والثاني ليتعرفوا على حجم الموجودات في القطاع المصرفي، مؤكدا أن معالجة الأزمة المالية ما زالت ممكنة، لكن كلما مر يوم إضافي تصبح إمكانية الانقاذ أقل، لذلك نبه الحاكم منصوري من المماطلة.
وأشار منصوري الى تجميد الخسائر وتحديدها، لافتا الى أن نمو الاقتصاد يحتاج الى القطاع المصرفي الذي يحتاج بدوره الى إستعادة ثقة المودع الذي من حقه علينا أن نقدم له خارطة طريق للحل، وأن نحدد له كيفية رد وديعته ومتى، مشددا على ضرورة إعادة بناء أسس الثقة من خلال المصارحة والشفافية مع الناس.
وأكد منصوري أن المصارف لا تستطيع في الوقت الراهن إعطاء المودعين أكثر من 400 دولارا وفقا للتعميم 158، لأنه لا توجد إمكانية لزيادة رأس المال أو لتكبير حجم الملاءة والسيولة، قبل إعادة هيكلة المصارف التي لا يمكن لادارتها أن تستثمر فيها إلا إذا عرفت بأنها باقية ومستمرة، لافتا الى أن هذا الأمر يحتاج الى إجتماعات في مجلس النواب بحضور الحكومة لوضع الأرقام الموجودة بين أيدينا، وبعد ذلك تبدأ المحاسبة من خلال القضاء، لكن أنا من واجبي أن أحمي القطاع المصرفي والمودع، ومجلس النواب من واجبه أن يقر القوانين للأسس المالية السليمة، والحكومة من واجبها تطبيق هذه الأمور وتقديم موازنة منطقية، مشددا على أنه إذا الجميع قام بواجباته كما يجب، وتمتعنا بقليل من الصراحة والصدق مع المواطنين فإن الأمور ستأخذ طريقها نحو الحل.
وأوضح منصوري أن الدولار على الـ 15 ألف ليرة لم يحدد المصرف المركزي سعره، بل تم تحديده في موازنة العام 2022، وبالتالي لا أحد يقبل أن يسحب أمواله على سعر الـ 15 ألفا عندما يكون الدولار بـ 89 ألف ليرة، مؤكدا أن هذا الأمر سوف يأخذ طريقه الى الحل في موازنة 2023، وهي موازنة عادية، مشيرا الى أنه لن يقوم بالكابيتال كونترول على أموال الناس، بل القانون يحدد ذلك، ما يضعنا أمام تحد كبير مع موازنة 2023، وإذا لم يكن هناك حلا متكاملا، فمن يكفل للناس إمكانية سحب الأموال من المصارف على الرقم الجديد الواقعي والحقيقي لسعر الصرف؟.. وإذا لم يكن هناك حلا متكاملا فكيف يمكن للمواطن أن يسحب الدولار الفعلي من وديعته؟.
وشدد الحاكم منصوري على ضرورة إعادة إطلاق القطاع المصرفي وكسر الحاجز بين المصارف والمودعين، لأن ذلك يساعد في تحسين الوضعية المالية للمصارف، وعندها يمكن تقديم عروض الحصول على أسهم في المصارف لمن كانت وديعته كبيرة، والتي يصبح لها معنى طالما أن المصرف عاد الى تحقيق الأرباح، التي تخصص لرد ودائع المودعين.
وفيما يتعلق بالاستقرار النقدي، أكد الحاكم منصوري أن إستقرار سعر الصرف ليس مستداما، وأن هذا الاستقرار ناتج عن كتلة نقدية مضبوطة، وعن عدم إغراق السوق بالليرات سواء من قبل الدولة أو من قبل المصارف، وعن ملاحقة الصيارفة الذين يتلاعبون بالسوق وتوقيفهم، مشددا على أنه إذا لم يصر الى إقرار قوانين إصلاحية لاعادة بناء المالية العامة لا يمكن أن يكون هناك إصلاح، وبالتالي وبعد فترة ليست طويلة لن نستطيع أن نغطي العجز والدولة أيضا لن تجد موردا لتغطية العجز، ما سيدفع الجميع ربما الى القيام بالاصلاحات المطلوبة.
بعد ذلك، جرى حوار بين المشاركين ومنصوري الذي طمأن الى سلامة الذهب، وأكد أن الدول مستعدة لمساعدة لبنان وخصوصا المملكة العربية السعودية لكن الأمر يحتاج الى إصلاحات والى أن يساعد لبنان نفسه.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal