الدكتورة ندى المؤذن.. الأم الرائدة.. غسان ريفي

كنا صغارا حينما كانت تشدّنا تلك المدرسة الصغيرة في أبي سمراء بجدرانها المزدحمة بالصور الجميلة والألوان الزاهية، وبنشاطاتها الترفيهية ورحلاتها في كل المناسبات من عيد المعلم الى عيديّ الطفل والأم فالأعياد المباركة.

كنا نتطلع الى تلك المديرة التي كانت تحنو على براعمها وتوازن بين التعليم والترفيه للوصول الى تغذية العقول وإكتشاف المواهب وصقلها عبر مجموعة من المعلمات الخبيرات اللواتي كنّ يشكلن عائلة واحدة تساعد بعضها البعض على تحقيق الغاية التعليمية المنشودة والنتائج الباهرة.

إنها مدرسة براعم الفيحاء التي سلكت من خلالها المربية الدكتورة ندى المؤذن مسيرة تطويرية متعددة الأوجه ومتنوعة الأهداف وكلها كانت تصب في خدمة الانسان والمجتمع.

بالأمس أغمضت المربية الاستثنائية الدكتورة ندى المؤذن عينيها وأسلمت الروح الى بارئها تاركة ورائها إرثا كبيرا وبصمات لا تمحى في التربية والتعليم والتثقيف والتوجيه والعمل الاجتماعي والخيري والأهلي، فكانت سلسلة مؤسسات وجمعيات في سيدة، آمنت بربها وحفظت دينها وأسست عائلة مميزة، وسارت في طريق التحديث والتطوير غير آبهة بالصعاب والعراقيل وأوضاع البلد وأزماته، فأسست رابطة أمهات طرابلس التي كان لها تأثيرا كبيرا وحضورا فاعلا في أيام الحرب والسلم، وعملت على توسعة مدرسة براعم الفيحاء لتغدو مؤسسة تعليمية كبرى إنبثق منها معهدا فنيا حمل إسم “أكتال” إحتضن المئات من الطلاب الذين وجدوا فيه الرعاية والكفالة والنوعية الجيدة من التعليم ونسج علاقات مع معاهد دولية عدة وقدم أفضل النتائج، وإستضاف عشرات المؤتمرات والندوات، وإهتمت بالثقافة والفكر والحوار من خلال المركز العربي للإنماء الثقافي الذي ترأسته.

كانت الدكتورة ندى حاضرة في المجتمع اللبناني ومؤثرة في المجتمع الطرابلسي، وقد حملت مدينتها الى كثير من المحافل الدولية التي شاركت فيها محاضرةً وباحثة وعارضة لقصة نجاحها في المسيرة التعليمية المشهودة والتي تحولت الى نموذج يحتذى، حتى حصلت على لقب سفيرة السلام لمنظمة السلام والاغاثة وحقوق الانسان الدولية.

الدكتورة ندى، سنفتقدك أماً ومربيةً وأستاذةً ورائدةً في المجالات الانسانية والتربوية والاجتماعية والخيرية والأهلية والثقافية، وسنفتقد حضورك المحبب ومحبتك للناس ولهفتك على طلابك وأبناء مدينتك، وسنفتقد قامتك العلمية والاجتماعية الرفيعة. أيتها الحنونة التي لم يعرف قلبها سوى الحب ولم تعرف يدها إلا العطاء، ستحفرين بذاكرتنا نحن الذين تربينا في براعم الفيحاء وعرفناك مديرة صارمة قوية تختزن كما هائلا من العطف والحنان، وإفتخرنا بمسيرتك الناجحة وبنضالك الذي إستمر حتى الرمق الأخير.

الدكتورة ندى رحمك الله وجعل إنجازاتك في ميزان حسناتك، وأثابك جنات النعيم، وكل التعازي الى رفيق دربك الدكتور رهيف، والى أبنائك أصدقاء الطفولة الدكتور تمام والأستاذ علام والدكتور بسام.. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لله وإنا إليه راجعون.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal