ع العصفورية!… غسان ريفي

عندما تحدث رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قبل فترة عن “العصفورية” لم يكن يقصد مزاحا أو دعابة أو حتى توجيه رسائل، بل كان يعبّر عن مرحلة سياسية مقبلة في غاية الصعوبة الى حدود الجنون يستشرف تفاصيلها التي بدأت تتظهر تباعا من تعطيل الحكومة ومجلس النواب ومن ثم إتهامهما بالتقصير الى الهستيريا الطائفية على خلفية قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي لثلاثة أسابيع.

القرار المتخذ بشأن التوقيت الصيفي ليس سوى قرارا إداريا بحتا لا خلفيات له، وهو من صلاحيات رئيس الحكومة، ولا يقدم ولا يؤخر في حركة الزمن التي حاول البعض ربطه بالتوقيت العالمي خصوصا أن تقديم الساعة وتأخيرها ليس لهما موعدا موحدا في كل الدول، بل يختلف ذلك بينها أسابيع وربما أشهر، في حين أن بعض الدول ألغت مسألة التوقيتين وإعتمدت توقيتا واحدا طوال السنة، فضلا عن أن دولا إتخذت قرارا مشابها لقرار رئيس الحكومة اللبنانية بتأخير إعتماد التوقيت الصيفي الى ما بعد شهر رمضان المبارك من دون أي ضجة أو إعتراض، كون تلك البلاد ليس فيها عُقد نقص، ولا تنام على أحقاد وضغائن تتحين الفرص لتفجيرها عند كل قرار أو إستحقاق.

ليست المرة الأولى التي تتخذ فيها الحكومة بتأجيل إعتماد الدوام الصيفي، ففي العام 1989 إتخذ العماد ميشال عون بصفته رئيسا للحكومة العسكرية قرار مماثلا، لكن المستغرب اليوم لا بل ما يدعو للاشمئزاز هو أن يكون لهذا القرار هذه التداعيات الطائفية الخطيرة والمواقف التي خرجت عن المنطق الوطني، وهذا الهرج والمرج والدعوات المبطنة الى التقسيم والفدرلة لا سيما من بعض النواب الذين لم يستطيعوا حتى الآن الخروج من الفكر الانعزالي المقيت الذي يتحدثون فيه في كل مناسبة.

لا يستدعي القرار بتأجيل العمل بالتوقيت الصيفي بكاء جبران باسيل على الساعة التي ستهدر بينما أشرف هو على إضاعة ست سنوات من عمر اللبنانيين في عهد عمه ميشال عون الذي أوصلهم الى جهنم وما التداعيات التي يعيشونها اليوم سوى عبارة عن “هزات إرتدادية” لذاك الزلزال الذي دمر لبنان إقتصاديا وماليا وإجتماعيا وحتى سياسيا، ولا يستدعي القرار أن يقسّم نديم الجميل اللبنانيين بين “توقيتنا وتوقيتكم ولبناننا ولبنانكم” ما جعله موضع سخرية على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن يمكن القول أن باسيل تمكن من إشعال المنافسة بين القوى المسيحية التيإستدرجها الى ملعبه الطائفي للسباق الى شعبوية بقصد إستمالة الشارع المسيحي الذي لطالما دفع ثمن خلافات وتفاهمات تلك القوى، بما في ذلك بكركي التي وصفت قرار رئيس الحكومة بالارتجالي، لكن موقفها لم يبتعد كثيرا عن الارتجالية نفسها، خصوصا أن القيادات الروحية كان يجب أن تبقى بمنأى عن هذا التحريض الطائفي والغرائزي لكي لا تستدرج مواقف من قيادات طوائف أخرى تضاعف من الشحن القائم وتودي بالبلد الى ما لا يُحمد عقباه.

كان الأجدى أن يصار الى التعامل مع قرار تأجيل التوقيت الصيفي بشكل تقني وأن يناقش من منطلق وطني بعيدا عن إدخال الطائفية البغيضة فيه، خصوصا أن البعض تعاطى معه بمنطق القبائل والعشائر التي تنتظر أي فرصة لتجتمع وتشن هجماتها، بعيدا عن المنطق الوطني الذي يبدو أنه بات الضحية الأولى للهستيريا الطائفية التي حولت البلد الى عصفورية حقيقية..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal