لبنان بلدٌ ناجح للإستثمار بالمقلوب… عبد الكافي الصمد

من بين تعابير كثيرة لما حصل يوم أوّل من أمس الثلاثاء برز توصيف بأنّ “لبنان يعتبر من أفضل بلاد الإستثمار في العالم”، عندما لفت أحدهم إلى أنّه في غضون ساعات قليلة من ذلك اليوم، شهد إرتفاع سعر صرف الدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية صعوداً وهبوطاً كبيرين، إذ بلغ 142 ألف ليرة قبل انخفاضه إلى 110 آلاف ليرة، أيّ 32 ألف ليرة دفعة، أيّ إذا قام أحد ما بتصريف مبلغ من العملة الخضراء صباحاً ثم أعاد شراءها مساءً، فإنّه يكون قد حقّق ربحاً صافياً بمقدار 30 في المئة، وهو ربحٌ خيالي جرى تحقيقه في وقت قصير وقياسي لا يمكن لأيّ مستثمر أن يحلم بتحقيقه في أيّ مجال من المجالات وفي أيّ بلد في العالم.
بالطبع هذا التوصيف جاء من باب “السّخرية السّوداء” ممّا وصل إليه الوضع المالي والإقتصادي والمعيشي في لبنان من إنهيار وتدهور غير مسبوقين، وأنّ هذا التراجع الدراماتيكي والصّعود والهبوط الصاروخين في سعر صرف الدولار، يدلّ على حجم الإهتراء والتلاشي الذي وصل إليه الوضع العام في البلاد، نتيجة تراكم السّياسة المالية والإقتصادية التي اتبعتها الحكومات المتعاقبة، وتحديداً منذ ما بعد إنتهاء الحرب الأهلية وتطبيق إتفاق الطائف عام 1989 ـ 1990.
لكنّ هذا الإنهيار لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تراكم مجموعة كبيرة من الإنهيارات والسياسات الخاطئة أوصلت البلاد في نهاية المطاف إلى ما هي عليه اليوم. من فساد الطبقة السياسية التي أحكمت قبضتها على البلاد منذ نحو 3 عقود وما تزال، واعتماد الإقتصاد المحلي الضعيف والبسيط على قطاعات ريعية وليست منتجة، من المصارف إلى السياحة والخدمات بينما جرى على نحو متعمد إغفال قطاعين منتجين هما الزراعة والصناعة، وعدم تطوير الإدارة العامة، ولا دعمها، وغياب الشّفافية والمحاسبة عن أيّ مشروع أو خطة، وتثبيت المحاصصة والزبائنية السياسية والطائفية والمذهبية على حساب الكفاءة على نحو خطير.
وبدل محاولة إخراج البلاد من القعر الذي وصلت إليه، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإبعاد سيف الأزمة عن رقاب المواطنين، إستمرت الطبقة السياسية في أدائها الكارثي بإدارة الدولة، من غير قيامها بأيّ مراجعة أو تصحيح لما حصل من اخطاء ولو بالحدّ الأدنى، إلى أنْ وصلت الأمور، أو تكاد، إلى نقطة اللاعودة، من فراغ رئاسي وشلل حكومي ونيابي، وانهيار إقتصادي ومعيشي جعل المواطنين حقل اختبار يكتوون يومياً بنار الأزمة المعيشية، والغلاء والبطالة والفقر والهجرة.
كلّ هذه الأزمات تراكمت واللبنانيون يدخلون شهر رمضان المبارك من غير أيّ قدرة لأغلبيتهم على تأمين نفقاته وضرورياته، وإغناء سفرتهم الفقيرة، حتى باتت أيّ عائلة تحسب ألف حساب لمصروف هذا الشّهر، بعدما باتت هذه السفرة ـ العادية والبسيطة ـ تزيد أو تساوي تكلفتها راتب شهر كامل لعائلة ربّ عملها موظف أو عامل بسيط.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal