المراسيم الجوالة خروج على أحكام الدستور.. وهكذا تمّ اختراعها!… غسان ريفي

يقول عدد من المطلعين على تفاصيل السياسة اللبنانية، أنه في العام 1986 عندما كان الصراع على أشده بين رئيس الجمهورية آنذاك أمين الجميل ورئيس الحكومة رشيد كرامي (الشهيد) الذي كان معتكفا في طرابلس وتحديدا في دارة شقيقه المهندس معن كرامي (رحمه الله)، حيث كانت مؤسسات الدولة تشهد شللا تاما بسبب تعطل جلسات مجلس الوزراء، زار النائب آنذاك رينيه معوض (رئيس الجمهورية الشهيد) دارة آل كرامي في طرابلس للبحث في كيفية تسيير أعمال الدولة خدمة لمصالح اللبنانيين.

خلال النقاشات التي كانت دائرة، إقترح النائب معوض على الرئيس كرامي أن يوقع المراسيم الضرورية ومن ثم يأخذها درّاج من قوى الأمن الداخلي الى رئيس الجمهورية لتوقيعها، وبعد ذلك يجول بها على الوزراء لتوقيعها أيضا لتصبح نافذة، فوافق الرئيس كرامي على إقتراح معوض والذي عُرف فيما بعد بالمراسيم الجوالة.

إعتُمدت المراسيم الجوالة بعد استشهاد الرئيس رشيد كرامي، في عهد الرئيس سليم الحص الذي خلفه، وخلال احتدام الاشتباكات المسلحة والمعارك بين الاطراف اللبنانية المتناحرة، والتي كانت تحول دون اجتماع مجلس الوزراء حرصا على سلامة الوزراء أولا، ونظرا لتقطيع أوصال العاصمة بيروت بالمعابر التي كانت تسيطر عليها الميليشيات وقوى الامر الواقع ثانيا.

كل ذلك، يؤكد ان المراسيم الجوالة لا سند دستوريا لها، بل هي خروج على أحكام الدستور، واستخدامها لا يكون الا في حال عدم القدرة على ممارسة الصلاحيات المنصوص عنها بالدستور بسبب حالات أمنية تمنع إجتماع مجلس الوزراء او تهدد سلامة وحياه اعضائه، وهذه الظروف لم تعد موجودة اليوم في ظل اتفاق الطائف الذي انهى الحرب وأرسى السلم الاهلي في البلاد منذ 33 سنة.

من هنا يأتي رفض رئيس الحكومة نجيب ميقاتي العودة لاعتماد المراسيم الجوالة المخالفة للدستور انطلاقا من تمسكه بأحكامه التي تمنحه الحق في الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء لتسيير المرفق العام ومعالجة الازمات الاجتماعية والانسانية التي ترخي بثقلها على يوميات اللبنانيين، وهو ما يزال مصرا على هذا الحق عندما تدعو الضرورة القصوى لذلك.

يؤكد الرئيس ميقاتي أمام زواره ان المراسيم التي صدرت عن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت في 5 كانون الاول الجاري تأخذ طريقها نحو التنفيذ وهي قانونية ودستورية. 

ويدحض كلام رئيس الحكومة إدعاءات رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل بضرورة اللجوء الى المراسيم الجوالة، وقوله ايضا ان المراسيم الصادرة تحتاج الى تواقيع كل الوزراء، مستشهدا بمرسوم يعرضه أمام شاشات التلفزة موقّع من الوزراء ال 24 في حكومة الرئيس تمام سلام، علما أن حكومته اصدرت العديد من المراسيم التي لم تحمل تواقيع كل الوزراء ومنها ما حمل توقيع الرئيس سلام والوزير المختص ووزير المالية فقط واخذت طريقها نحو التنفيذ من دون أية إعتراضات أو محاولات تعطيل كما يحصل اليوم. 

اللافت، أن الازمات التي تتوالد تحتاج الى حالة طوارئ والى ارتقاء بالمسؤولية الوطنية، والكف عن التعطيل الذي بات يتجاوز الدستور الى الكيدية السياسية والطموحات الشخصية، خصوصا أن البعض كان يريد أن يقف مرضى السرطان وغسيل الكلى أمام المستشفيات الرافضة لاستقبالهم، وأن يتحرك المعلمون والعسكريون في الشارع وان ينقطع لبنان عن العالم بتوقف خطوط الانترنت، للضغط على التيارات السياسية لانتخاب رئيس للجمهورية، لكن رئيس الحكومة رفض الامر ومارس حقه في الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء وهو من المفترض أن يمارسه عندما تدعو الحاجة، مع مطالبته اليومية بانتخاب الرئيس لانتظام عمل المؤسسات الدستورية.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal