الدستور في لبنان.. كالعشب الأخضر!!!… غسان ريفي

يُحكى أن حمارا ابلغ النمر أن العشب الذي نمشي عليه أزرق..

تبسم النمر وأجاب كلا إن العشب أخضر..

إزداد النقاش حدة ووصل الى خلاف، ما دعاهما الى التحكيم..

قصد الحمار والنمر الأسد ملك الغابة والحاكم.

سارع الحمار الى الصراخ سائلا: أيها الحاكم أليس العشب أزرقا؟

أجاب الأسد: إذا كنت تعتقد أن العشب أزرقا فهو أزرق.

أسهب الحمار في الحديث الى الأسد قائلا: هذا النمر يختلف معي ويعارضني ويناقشني ويزعجني وأرجو منك أن تعاقبه على معلوماته الخاطئة.

صرح الأسد عاضبا: سيعاقب النمر بالصمت لمدة ثلاثة أيام.

قفز الحمار فرحا وسلك طريقه راضيا عن الحكم ومرددا إن العشب أزرق.. إن العشب أزرق.

سأل النمر الأسد سرا: أيها الحاكم لم عاقبتني وأنت تعلم على أي حال بأن العشب أخضر..

أجاب الأسد: لقد علمت ورأيت بأن العشب أخضر.

سأل النمر: إذن لماذا عاقبتني؟

أجاب الأسد: عقابك ليس له علاقة بكون العشب أخضر أو أزرق، العقوبة لكون من المخزي لمخلوق شجاع وذكي مثلك أن يتجادل مع حمار..

تابع الأسد: وفوق كل ذلك أتيت وأزعجتني بسؤالك لتأكيد شيء أنت تعرف جوابه الصحيح، قبل أن ترى أن أكبر مضيعة للوقت هو مجادلة أحمق لا يكترس للحقيقة أو الواقع وأنما يكترث لمعتقداته وأوهامه ومصالحه، والعقوبة هي لكي لا تقضي مرة أخرى أي وقت في جدالات لا جدوى منها ولا تعني شيئا، فهناك أناس رغم كل ما يقدم لهم من أدلة لن يكون لديهم القدرة للفهم أو أن يرغبوا بالفهم وسيجادلوا فقط لتحقيق ما يصبون إليه.

وتابع الأسد نصيحته للنمر: الآخرون الذين أعمت بصيرتهم أنانيتهم أو كراهيتهم أو حنقهم فإن جل ما يراودهم أن يكونوا على حق ولو لم يكن كذلك لأن ذلك يحقق مصلحتهم، فالذكاء يغادر وينتهي عندما يصرخ الجهل، لذلك، إذهب أيها النمر ونفذ عقوبتك وقم بما هو صائب ولا تجادل حمارا مرة ثانية.

يقول الحديث الشريف: “إذا غضب الله على قوم أورثهم الجدل ومنعهم العمل”، فكيف إذا ترافق الجدل مع الجهل، ففي لبنان يكاد المواطنون يلفظون أنفاسهم الأخيرة بعدما فقدوا أبسط مقومات العيش الكريم لدرجة أنهم باتوا يصرون على رمي أنفسهم في البحر رغم كل المخاطر بفعل اليأس وإنسداد آفاق الحلول وتقديم المصالح الشخصية على المصالح الوطنية العليا، فيما يصر البعض على الجدال في الدستور والخلاف على بنوده الواضحة، وعلى تحويرها بما يصب في مصلحته.

لم يعد من الجائز الدخول في جدال مع أي كان حول الدستور بما يتعلق بكل الاستحقاقات خصوصا أنه يتولى وبشكل تلقائي ترتيب كل أمور السلطة أي سلطة بمعزل عن كل المعنيين بها، كما يمنع تنفيذ كل ما يتم التفكير فيه كلما دعت الحاجة من هرطقات وشطحات وإجتهادات وفتن وفوضى، خصوصا أن اللعب ببنود الدستور أو ضرب التوازنات أدت وستؤدي دائما الى ما لا يحمد عقباه.

الدستور في لبنان كالعشب الأخضر، ومن يريد أن يراه أزرقا فليره بمفرده، وليتحمل وزر ذلك بالتوقف عن جداله أو نقاشه وتركه يسير فرحا مرددا أن العشب أزرق.


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal