هل يلقى لبنان مصير القسطنطينية؟… عبد الكافي الصمد

تروي كتب التاريخ أنّ السطان العثماني محمد الفاتح عندما كان يحاصر مدينة القسطنطينية (إسطنبول حالياً) عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، ويطوّقها من مختلف الجهات، كان كبار الكهنة ورجال الدّين والسّياسة في عاصمة الإمبراطورية منشغلين في اجتماعاتهم حول جنس الملائكة، هل هم ذكر أم أنثى، بدل الإلتفات إلى التفكير في كيفية الدفاع عن مدينتهم ومنع سقوطها، عام 1453، بدل جدل فلسفي لا نتيجة منه، ما جعل عبارة “الجدل البيزنطي” تسلك طريقها منذ ذلك الحين لتصبح مقياس أيّ جدل لا طائل منه.

ما ينطبق على القسطنطينية (إسطنبول) قبل أقلّ من ستة قرون يكاد يسري على لبنان هذه الأيّام، أقله في الشكل، ما يكاد يجعل المصير الذي آلت إليه عاصمة الإمبراطورية البيزنطية سيلقاه بلد لقب ذات يوم بـ”سويسرا الشّرق”.

فالمخاطر التي تهدد لبنان هذه الأيّام، داخلياً وخارجياً، لا تقلّ خطورة عن تلك التي هدّدت القسطنطينية (إسطنبول) في أواسط القرن الخامس عشر، وهي مخاطر جعلت كثيرين يحذّرون من أنّ لبنان قد يزول عن الخارطة كبلد في حال لم تتم معالجة هذه الأزمات التي يعاني منها، وهي غير مسبوقة وتعتبر من بين الأسوأ بالعالم، وجعلت مستقبله ومصيره على كفّ عفريت.

خارجياً، يبقى تهديد العدو الإسرائيلي بشن حرب عدوانية عليه خطراً قائماً، تحت ذرائع مختلفة، أبرز ما يُهدّد لبنان، وهو تهديد بدأ كثيرون يتحدثون عن تزايد حظوظه في ضوء خلاف لبنان مع دولة الكيان على ترسيم الحدود البحرية، تمهيداً لاستخراج الغاز والنفط من عمق البحر.

أمّا داخلياً، فإنّ لبنان يعاني من مخاطر وتهديدات لا تعدّ ولا تحصى. من أبرزها أزمة النّازحين السّوريين الموجودين في لبنان، الذين يُقدّر عددهم بنحو مليون ونصف، والذين لم تلح في الأفق أيّة بوادر لعودتهم إلى بلادهم قريباً وتخفيف العبء عن لبنان، سواء بسبب رفض المجتمع الدولي عودتهم، أو خلافات أهل السلطة في لبنان حول مقاربة هذا الملف الذي يؤرق بلدهم، كما ما يزال ملف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يُقدّرون بنحو نصف مليون لاجىء، يؤرقهم منذ نحو 75 عاماً.

وزادت الأزمة الإقتصادية والمالية والمعيشية الطين بِلّة، إذ تفاقم الوضع المعيشي ورزح أغلب اللبنانيين تحت فقر مدقع جعل أكثر من 80 في المئة منهم يعيشون تحت خط الفقر، وتسبّبت بازدياد البطالة والهجرة والإفلاس والركود الإقتصادي، بعدما انهارت العملة الوطنية إلى حدود قياسية وغير مسبوقة.

وترافق ذلك مع تحلّل مؤسّسات الدولة وتدني مستوى رواتب ومداخيل العاملين في القطاع العام إلى حدود قياسية، وانتشار رقعة الفساد، على وقع أزمات سياسية زادت من تفاقم تلك الأزمات، بعد تعثّر تأليف الحكومة، وشكوك واسعة حول احتمال إجراء الإنتخابات الرئاسية في موعدها، وانقسام عمودي بين اللبنانيين بسبب خلافاتهم حول كلّ شيء تقريباً، وجدلهم البيزنطي، حتى على جنس الملائكة إيّاه.

فهل يلقى لبنان مصير الدولة البيزنطية، أم أنّ معجزة ما ستنقذ البلد من الإنهيار الشامل واحتمال شطبه عن الخارطة في آخر لحظة؟


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal