طرابلس: ما بعد قارب الموت ليس كما قبله… عبدالكافي الصمد

هزّ قارب الموت الذي غرق في البحر قبالة شاطىء مدينة طرابلس، مساء يوم السبت 23 نيسان الجاري، المدينة بأكملها، وقلبها رأساً على عقب، بعدما تسبّب غرقه في البحر بوفاة 8 أشخاص لقوا حتفهم وأعيدوا جثثاً، والعثور على 45 ناجياً، بينما ما يزال مصير 22 شخصاً كانوا على متن القارب مجهولاً واعتبارهم من المفقودين.

الأشخاص الـ75 ـ وفق التقديرات ـ الذين ركبوا عباب البحر على متن قارب صغير، ليسوا أوّل مجموعة تغادر لبنان بهذه الطريقة من الهجرة غير الشرعية نحو بلاد الله الواسعة، ولن تكون الأخيرة، بعدما باتت مغادرة لبنان وجحيم العيش فيه مطمع وحلم كلّ شخص، وبعدما ضاقت السبل بمواطنين وجدوا أنّ الهروب من بلدهم نحو بلد آخر هو الحل الوحيد للعيش والتمتع بالحدّ الأدنى من الكرامة والحقوق.

ما شهدته طرابلس من تداعيات وردود فعل واحتجاجات بعد غرق القارب ليس سوى جزءاً صغيراً من الإنفجار الإجتماعي المتوقع، في ضوء تفاقم الصعوبات والأزمة الإقتصادية التي أحكمت خناقها على رقاب المواطنين في مدينة يعيش أكثر من 75 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، ما جعلها الأكثر فقراً وبؤساً في لبنان، وارتفاع معدل البطالة والتسرّب المدرسي، وصولاً إلى انحدار مستوى الخدمات الطبّية والصحية إلى مستوى خطير للغاية، فضلاً عن فقد الأدوية وارتفاع سعرها بعد رفع الدعم عنها، وكذلك الأمر بالنسبة لربطة الخبز المهدّدة أيضاً برفع سعرها بعد رفع مرتقب للدعم عنها.

أجواء الحزن الممزوج بالغضب لم تجعل أحداً في الدولة يسأل لِما يغامر هؤلاء وأمثالهم في ركوب الموت والموج هرباً من بلدهم، وما السبيل لردعهم عن ذلك، ولا للحدّ من تكاثر هجرة غير شرعية بات لبنان أحد بلدانها في السنوات الأخيرة، ولا لتقديم الحدّ الأدنى من متطلبات العيش الكريم لمواطنين كفروا أو يكادون بهذا البلد وبطبقته السياسية.

في السنوات الأخيرة بات حلم كلّ طرابلسي، ومعه لبناني، هو الهجرة، بعدما قتلت الدولة ومعها طبقة سياسية فاسدة وجشعة أحلام اللبنانيين وطموحاتهم، الصغيرة منها قبل الكبيرة، وتحوّل الهروب من بلد الأرز إلى أمنية أغلب اللبنانيين، خصوصاً الشباب منهم، فضلاً عن آلاف النّازحين الفلسطينيين والسّوريين المقيمين في طرابلس وجوارها في مناطق الشمال، بشكل باتت معه هذه المناطق تغرق في بحر من الفقر والبؤس والإهمال، ما دفع بعض أبناء هذه المناطق المحرومة للمجازفة والإبحار بأيّ وسيلة، قبل أن يلقوا مصيرهم الأسود والبائس بالغرق في مياه البحر.

بعد الذي حصل كيف يمكن للحياة بالنسبة للفقراء والمعدمين في هذه المدينة أن تستمر، أقله في الأسابيع والأشهر المقبلة، وكيف يمكن لدورة الحياة الإقتصادية والإجتماعية أن تتابع دورانها وكأنّ شيئاً لم يكن، وكيف يمكن إجراء الإنتخابات النيابية المقبلة فيها بعد نحو 18 يوماً، تحت أيّ شعار، وأيّ خطاب، وكيف ستكون النتيجة؟..


Related Posts


Post Author: SafirAlChamal